ويمكن اعتبارها مصادفة مستقلة عن الذات العارفة، ومعتمدة على وقائع الكون الموضوعية.
وهو أيضا شأن كل أقطاب التيار النقدي، حقق لاحتمية إبستمولوجية على الوجه الأتم، فقد أقنعه حساب الاحتمال بالطبيعة النسبية للمعرفة، واستحالة إدراك المطلق وكان شد ما أخذه كورنو على كانط هو أنه بحث عن اليقين، واليقين وهم «لأنه الاحتمال جزء لا يتجزأ من كل العلوم، وحتى الفلسفة ينبغي عليها الاكتفاء بالاحتمالات العالية»،
25
وليست اللاحتمية البادية هي التي ينبغي تفسيرها تفسيرا ذاتيا، أي بوصفها حتمية مجهولة، بل العكس هو الصواب، الحتمية البادية هي التي ينبغي تأويلها ذاتيا، العلم بصميم طبيعته لا يمكن أن يصل إلى اليقين المطلق أبدا فكيف يزعم بشمولية الحتمية وكيف ينفي الحرية، الحرية هي الأصل وإمكانية أو احتمالية أو لاحتمية العلم هي النتيجة.
أما العالم الرياضي شارل رينوفيه
Charl Renouvier (1815-1903) فهو من أهم فلاسفة الحرية بصفة عامة، أقام فلسفته على أسس ثلاثة: التناهي - النسبية - الحرية.
بدأ بدراسة رياضيات اللامتناهي، لينتهي إلى أنه ممتنع، فسلسلة الأعداد الطبيعية 1، 2، 3، ... لا تفضي إلى أي عدد لا متناه في النهاية، وبالتالي التناهي هو الحقيقة، العالم ككل له حدوده المتناهية، ولكن هذه الحدود تستعصي على المعرفة، وهنا تتمثل النسبية التي تتنافى مع الإطلاقية ومع الشيء في ذاته ومع الجوهر الواحد، وبالتالي تتنافى مع الواحدية التي هي صورة الحتمية، من هنا جعل التناهي من رينوفيه فيلسوف التعددية المفرطة وبالتالي اللاحتمية.
أما عن الحرية فيقول رينوفيه: «الضرورة والحرية كلتاهما لا تقبل البرهان، ولكن تعتمد احتمالات كبيرة من الناحية التحليلية البعدية للظواهر لصالح الحرية، وهي في جوهرها تنتسب إلى الغريزة الإنسانية والعقل العملي، والحرية شرط لأخلاقية الأفعال وهي وحدها التي تفسر وجود الخطأ في العالم، وتقرر الإمكان الأخلاقي لبلوغ الحق، بالتطبيق المثاب لشعور مستيقظ دائما، والحرية أخيرا - إذا كنت أؤكدها - فلأنها حياة شخصي وحياة العلم الذي أسعى لتحصيله.»
26
هكذا رفض رينوفيه الحتمية رفضا قاطعا، ولم تلهه اهتماماته الميتافيزيقية الرياضية والعلمية حتى عن الحتمية التاريخية، بل بذل جهدا كبيرا لدحضها، ووضع نظرية تحليليلة للتاريخ، تصل إلى الدور الهائل الذي تلعبه الحرية في حياة الإنسانية، وحماية للحرية يعمم رينوفيه الإمكان واللاحتمية إلى أقصى درجة ويذهب إلى حد القول «إن الحرية تقوم في النظام الخارجي للأشياء وإنها لا تتحدد كلها بسوابقها ومقدماتها.»
صفحة غير معروفة