98
يترك إدنجتون جانبا هذا التساؤل العسير، الذي لم تجب عنه العلوم الإنسانية بعد، ويفترض أن ثمة عاملا لاحتميا واسعا ، عاملا فيزيقيا، يتحكم في سلوكنا، ربما كان مجاله خاضعا لعوامل عقلية خالصة بصورة تنفي الحرية، ولكن العوامل العقلية الكائنة قبل حدوث الحدث معطيات مشروعة للتنبؤ في العلوم الإنسانية، مثلا جريمة القتل التي سوف أرتكبها في الشهر القادم، قد تتحتم بصورة جزئية بالنزوع إلى القتل الموجود الآن في عقليتي، شريطة أن يكون هذا النزوع قابلا للتحديد والتعريف بصورة أخرى، غير أنه من المحتمل أن أرتكب جريمة قتل وقد يتحدد هذا بأعراض عقلية معينة، أعراض من قبيل تلك التي يعرضها أولئك الذين يرتكبون فيما بعد جريمة قتل، فهل يعني هذا أن ثمة حتمية عقلية تنفي الحرية الإنسانية، بعد أن استرحنا من معضل الحتمية الفيزيقية؟
يدحض إدنجتون هذا، أو على الأقل يرفضه على أساس أن ثمة تعقيدا لا مبرر له حين أن نصادر على الحتمية بالنسبة للعمليات العقلية، واللاحتمية بالنسبة للعمليات الفيزيائية، وأنه من الصعب أن نتبين كيف يمكن تطبيق حتمية عقلية مماثلة لحتمية الفيزياء الكلاسيكية، التي هي الأصل في كل دعوى حتمية الآن؛ لأنه ليس ثمة مماثلة بين إمكانية التنبؤ في أنساق هذه الفيزياء، والحالات والكميات العقلية بصميم طبيعتها ليست معطيات للتنبؤ الدقيق،
99
يرمي إدنجتون إلى إثبات أن الحتمية العقلية يصعب عليها أن تأتي بأية أسانيد مستقلة، بعد أن انهارت الحتمية الفيزيقية.
إن اللاحتمية الفيزيقية قد أصبحت مسلمة الآن، ويرى العالم الإنجليزي إدنجتون أن التسليم بلاحتمية تصرفاتنا الجسدية هو في حد ذاته الخطوة الحاسمة في إطلاق حرية الذهن
Mind
التي عادة ما تختلط بالتساؤل حول حرية الإرادة،
100
فحتى المؤثرات الفيزيقية للإرادة يجب أن تضم أعدادا واسعة من الذرات (الخلايا)، وبالتالي علينا أن نقر بلاحتمية بدرجة أعلى من تلك التي نقرها في أي نسق مماثل لاعضوي.
صفحة غير معروفة