لقد سدد الأبواب الكثيرة الواسعة التي كانت مداخل للرق في العالم ، فحرم أشد التحريم الإستعباد عن طريق إختطاف الأحرار ، كبارا أو صغارا ، ولم يبح بحال أن يبيع الإنسان نفسه ، أو ولده أو زوجته ، ولم يشرع أبدا أخذ المدين رقيقا في دينه إذا عجز عن الوفاء به ، ولا أخذ المجرم رقيقا بجريمته كما عرف ذلك في شرائع سابقة ، ولا استرقاق الأسير في الغارات الظالمة التي تشنها القبائل والأمم بعضها على بعض بغيا وعدوانا .
ولم يستثن من الأسباب التي عرفها العالم مفضية إلى الرق إلا سببا واحدا ضيق فيه كل التضييق ، وأبقاه على سبيل الجواز والإختيار ، لا سبيل الحتم والإلزام . ذلك هو استرقاق الأسير في حرب إسلامية شرعية لم يبدأ المسلم فيها بعدوان ، وذلك إذا رأى إمام المسلمين وأهل شواره في ذلك مصلحة للأمة والملة ، وذلك كما إذا كان العدو يسترق أسرى المسلمين ، فإن المعاملة بالمثل تقتضيها المصلحة ، وللإمام العادل أن يطلق سراح الأسرى بغير مقابل ، أو بمقابل مادي أو معنوي ، أو إطلاق أسرى من المسلمين مقابل أسرى المشركين ، وهذا مانص عليه القرآن في صراحة أسرى المحاربين من أهل الكفر : { حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء } [ محمد : 4]
وإذا كان الإسلام قد أبقى على سبيل الجواز بابا ضيقا للرق ، فقد فتح أبوابا واسعة للتحرير والعتق ، ومن فضل الإسلام أنه استحدث العتق ولم يستحدث الرق .
دعا الإسلام إلى العتق ورغب فيه ، وجعله من أحب القربات إلى الله ، وزاد على ذلك فجعله كفارة لكثير من الأخطأ التي يتورط فيها المسلم بحكم بشريته ، كالحنث في اليمين ، ومظاهرة الزوج لزوجته ، وجماع الصائم في نهار رمضان ، والقتل خطأ ، بل جعل كفارة السيد إذا ضرب عبده بغير حق أن يعتقه .
صفحة ١١٣