42

هموم المثقفين

تصانيف

ناقة الله وسقياها

هذا ما طالب به رسول الله جماعة ثمود، وأما ناقة الله فقد أصبحت توحي إلي بمعنى التفوق عما هو سائد بين الناس، كان السائد في قبائل ثمود أن ينحت الصخر أصناما لا تنفع ولا تشفع، فخرجت ناقة الله من جلمود الصخر لتقيم المثال بأن يكون الفن للحياة، وما دام المثل الأعلى قد ارتسم أمام الأبصار والأذهان وجب على الناس رعايته و«سقياه» ليعيش. لكن ثمود أخذتها الغيرة العمياء حفاظا على ما هم فيه، فعقروا الناقة المعجزة لئلا تظل أمامهم تتحدى.

ولم تنفرد ثمود دون سائر البشر بنيران الغيظ المسموم التي تأكل القلوب أكلا وتنهش الأكباد نهشا، بل إن في كل قوم جماعة من ثمود! فإذا كانت ثمود قد عقرت الناقة المعجزة ليطمسوا الشاهد الذي يظهر ضآلة فنهم، فما زلنا حتى يومنا نتلفت حولنا فإذا بقايا ثمود لم تزل فينا حية تسعى، ولن أتحدث هنا عن أقوام بعيدة لا أعرف عنها إلا قشورا من أخبارها بل إني لأوجه بصري إلى الدائرة الضيقة التي أعرف أفرادها باطنا لظاهر، فيقع البصر أول ما يقع على قواقع ثمودية رابضة في حنايا الصخور، أخذت على نفسها ألا يرفع رأسه رافع إلا وتتوالى منها الضربات على أم ذلك الرأس حتى يتهشم أو يختفي، فإذا أراد صاحبه أن يعيش كان الشرط الأول لبقائه هو أن يتجانس معهم في هزال الفكر وضيق الأفق.

ناقة الله وسقياها

هذا هو اللواء الذي يجب أن يرتفع فوق الرءوس لنهتدي بضيائه بمعنى الدعوة إلى التفوق والامتياز، ثم رعاية ذلك التفوق وهذا الامتياز بالغذاء الصالح حتى لا ينتكس.

تفوق سقراط على سائر مواطنيه فكان جزاؤه المحاكمة، وجريا على سنة القانون اليوناني عندئذ طلبت منه المحكمة أن يقترح على نفسه حكما ليوازن بينه وبين حكم القضاة لعلهم يلتمسون نقطة وسطا، فأجابهم ساخرا بقوله إنه لا يرى إلا أن تجري عليه الدولة راتبا لما يؤديه نحو أثينا وصالحها.

هكذا بدأ الصبي الذي كنته عند الخامسة مفتونا بالنغم الحلو في قوله تعالى:

فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها ، وهكذا انتهى الشيخ مرورا بتطلع الشباب ونضج الرجولة إلى ما وراء النغم الجميل من مبدأ للارتقاء بالناس نحو الأعلى، فإذا كذبت فينا ثمود حقت عليها اللعنة إلى يوم الدين.

توبة الهارب

لا تسلني ماذا كانت أوجه الشبه بيني - عندما كنت حبيس عيني المعطوبة - وبين يونس (عليه السلام) وقد احتبسه الحوت في جوفه، لا تسلني سؤالا كهذا لأنني لا أعرف الجواب، وكل ما أعرفه أن قصة يونس وهو في جوف الحوت، كانت تعاودني في محنتي، وربما كان ذلك لشبه بعيد بين الحالتين؛ فكلانا أراد الهرب من مواجهة الناس، فجاءت الأحداث لتستخلص من محاولة الهرب درسا وعبرة؛ أما يونس فقد تعلم الدرس ووعاه، وأما أنا فلست أدري كم نالت مني عبرة الحوادث.

صفحة غير معروفة