الذل والانكسار للعزيز الجبار
محقق
أبي مصعب طلعت بن فؤاد الحلواني
الناشر
الفاروق الحديثة للطباعة والنشر
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
تصانيف
ولهذا كان جزاء المؤمن إذا فعل ذلك أن يقربه الله ﷿ إِلَيْهِ فإن: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» (١) كما صح ذلك عن النبي ﷺ. وقال الله تعالى: ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾ (٢).
والسجود أيضًا مما كان يأنف منه المشركون المستكبرون عن عبادة الله ﷿، وكان بعضهم يقول: أكره ان أسجد فتعلوني استي، وكان بعضهم يأخذ كفًّا من حصى، فيرفعه إِلَى جبهته ويكتفي بذلك عن السجود.
وإبليس إِنَّمَا طرده الله لما استكبر عن السجود لمن أمره الله بالسجود له.
ولهذا يبكي إذا سجد المؤمن ويقول: أمر ابن آدم بالسجود ففعل فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار (٣).
ومن تمام خشوع العبد لله ﷿ وتواضعه له في ركوعه وسجوده، أنه إذا ذل لربه بالركوع والسجود وصف رَبَّه حينئذ بصفات العز والكبرياء والعظمة والعلو، فكأنه يقول: الذل والتواضع وصفي، والعلو والعظمة والكبرياء وصفك، فلهذا شرع للعبد في ركوعه أن يقول: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده سبحان ربي الأعلى (٤).
وكان النبي ﷺ أحيانًا يقول في سجوده: «سُبْحَانَ ذِي الْمَلَكُوتِ وَالْجَبَرُوتِ، وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ» (٥).
وروي عنه ﷺ أنه قال ليلة في سجوده: "أَقُولُ كَمَا قَالَ أَخِي دَاوُدُ ﵇: أُعَفِّرُ وَجْهِي فِي التُّرَابِ لِسَيِّدِي، وَحَقٌّ لِسَيِّدِي أَنْ تُعَفَّرَ الْوُجُوهُ لِوَجْهِهِ" (٦).
_________
(١) أخرجه مسلم (٤٨٢).
(٢) العلق: ١٩.
(٣) أخرجه مسلم (٨١).
(٤) أخرجه مسلم (٧٧٢).
(٥) أخرجه أحمد (٦/ ٢٤)، وأبو داود (٨٧٣)، والنسائي (٢/ ١٩١، ٢٢٣).
(٦) أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (٣٥٥٦).
1 / 305