فيما يحكى كان بركة منحازة مثل ما هو عليه الآن بحر طبرستان
75
لا تتصل مياهه بشيء من مياه البحر.
وكان أهل المغرب الأقصى من الأمم السالفة يغيرون على أهل الأندلس فيضرون بهم كل الإضرار. وأهل الأندلس أيضا يكابدونهم ويحاربونهم جهد الطاقة، إلى أن كان زمان الإسكندر
76
ووصل إلى أهل الأندلس، فأعلموه بما هم عليه من التناكر مع أهل السوس، فأحضر الفعلة والمهندسين، وقصد مكان الزقاق وكان أرضا جافة، فأمر المهندسين بوزن الأرض، ووزن سطوح ماء البحرين، ففعلوا ذلك فوجدوا البحر الكبير يشف علوه على البحر الشامي بشيء يسير، فرفعوا البلاد التي على الساحل من بحر الشام، ونقلها من أخفض إلى أرفع. ثم أمر أن تحفر الأرض التي بين طنجة وبلاد الأندلس، فحفرت حتى وصل الحفر إلى الجبال التي في أسفل الأرض، وبنى عليها رصيفا بالحجر والجيار أفراغا، وكان طول البناء 13 ميلا، وهو الذي كان بين البحرين من المسافة والبعد، وبنى رصيفا آخر يقابله مما يلي أرض طنجة. وكان بين الرصيفين سعة ستة أميال فقط. فلما أكمل الرصيفين حفر للماء من جهة البحر الأعظم، فمر ماؤه بسيله وقوته بين الرصيفين، ودخل البحر الشامي، ففاض ماؤه، وهلكت مدن كثيرة كانت على الشطين معا، وغرق أهلها، وطغى الماء على الرصيفين نحو 11 قامة، فأما الرصيف الذي يلي بلاد الأندلس فإنه يظهر في أوقات صفاء البحر، في جهة الموضع المسمى بالصفيحة ظهورا بينا، طوله على خط مستقيم (هنا لم نتبين الكتابة) وقد رأيناه عيانا، وجرينا على طوله مع هذا البناء. وأهل الجزيرتين يسمونه القنطرة، ووسط هذا البناء يوافق الموضع الذي فيه حجر الأيل على البحر.
وأما الرصيف الآخر الذي بناه الإسكندر في جهة بلاد طنجة، فإن الماء حمله في صدره، واحتفر ما خلفه من الأرض،
77
وما استقر ذلك منه حتى وصل إلى الجبال من كلتى الناحيتين. وطول هذا المجاز المسمى بالزقاق 13 ميلا، وعلى طرفه من جهة المشرق المدينة المسماة بالجزيرة الخضراء، وعلى طرفه من ناحية المغرب المدينة المسماة بجزيرة طريف. ويقابل جزيرة طريف في الضفة الثانية من البحر المسمى مرسى القصر المنسوب لمصمودة، ويقابل الجزيرة الخضراء في تلك العدوة مدينة سبتة . وعرض البحر بين سبتة والجزيرة الخضراء 18 ميلا، وعرض البحر بين جزيرة طريف وقصر مصمودة 13 ميلا وهذا البحر في كل يوم وليلة يجزر مرتين، ويمتلئ مرتين، فعلا دائما، ذلك تقدير العزيز الحكيم.
وأما على ضفة البحر الكبير من المدن الواقعة في هذا البحر المرسوم فهي «طنجة» و«سبتة» و«نكور» و«بادس» و«المزمة» و«مليلة» و«هنين» و«بنو وزار» و«وهران» و«مستفانم» فأما مدينة سبتة فهي تقابل الجزيرة الخضراء، وهي سبعة أجبل صغار متصلة بعضها ببعض معمورة، طولها من المغرب إلى المشرق نحو ميل، ويتصل بها من جهة المغرب، وعلى ميلين منها، جبل موسى وهذا الجبل منسوب لموسى بن نصير، وهو الذي كان على يديه افتتاح الأندلس في صدر الإسلام، وتجاوره جنات وبساتين وأشجار وفواكه كثيرة، وقصب سكر، وأترج يتجهز به إلى ما جاور سبتة من البلاد، لكثرة الفواكه بها. ويسمى هذا المكان الذي جمع هذا كله (بليونش).
صفحة غير معروفة