فقال له جيروم: الحق أن المسألة محيرة، فلا أقدر أن أعتقد أن المستر أفلن ومستخدميه ومس كروس يتهمون هذا الرجل أو غيره زورا، ومن جهة أخرى لا أقدر أن أعتقد أن شهود الرجل المتعددين متواطئون معه، ولا سيما لأننا نعرف المحامي بلاك جيدا. - إذن لا بد أن يكون هوكر وشفلر شخصين متشابهين جدا. - ولكن أيكون التشابه إلى حد أن لا يقدر أفلن ومستخدموه أن يميزوا فرقا؟ - لا تستغرب ذلك؛ فقد يتشابه الأشخاص إلى ذلك الحد حتى لا يتميز عارفوهم الفروق الزهيدة، وزد على ذلك أن أفلن وحزبه لم يعرفوا هوكر طويلا حتى يميزوا بينه وبين شبيهه، ومع ذلك دعنا نستقص عن الفروق الآن.
ثم نظر إلى أفلن وسأله: هل كان هوكر في هذا الثوب الذي ترى هذا الرجل يرتديه الآن؟ - كلا، بل كان في ثوب رمادي وقبعة رمادية أيضا، ثم سأل المحامي بلاك: في أي ثوب كان شفلر حين كان عندك؟ - في ثوبه وقبعته الأسودين اللذين يلبسهما الآن. وقال كل شهوده: لم نره في ثوب رمادي قط. عند ذلك التفت مدير البوليس إلى أفلن، وقال له: لا نقدر يا مستر أفلن أن نتهم هذا الرجل، وقد ثبت لنا بشهادة العديدين أنه كان في مكتب المستر بلاك المحامي في حينما ادعيت أنه كان عندك.
فكاد أفلن يتمزق غيظا وحنقا، وقال: لا أقدر، أعتقد أن رجلا غير هذا أخذ الدبوس مني.
فقال المدير: سواء اعتقدت أو لم تعتقد، فلا نقدر أن نتهمه ما دامت بيناتك قاصرة عن إثبات التهمة عليه، ولا بد أن يكون جاك هوكر شخصا آخر غير المستر جان شفلر، وأنت ومستخدموك مشتبهون بالمستر شفلر غلطا، فلعل غريمك رجل آخر يشبهه! - يستحيل أن يكون الشبه شديدا إلى هذا الحد. - ألا تجد في ملامح المستر شفلر شيئا يختلف عن ملامح هوكر؟ - كلا البتة، ولا أقدر أن أعتقد أن هذا الرجل ليس جاك هوكر الذي أخذ دبوسي، وإذا نزع طوقه (ياقته) رأيتم في أيمن عنقه نقطة سوداء كأنها أثر خال كنت أراها فيه حين كان يأتي إلى عندي بطوق قليل العرض، فإذا تشابه اثنان فلا يتشابهان إلى حد أن يكون في مكان واحد من بدنهما نقطة سوداء. - هل أنت واثق من وجود هذه النقطة في أيمن عنقه؟ - رأيتها مرارا، ولا ريب عندي أنه يواريها الآن وراء طوقه العريض. - إذا ثبت ما تقول يا مستر أفلن ...
فقاطعه أفلن قائلا: تثبت دعواي؟ - كلا، بل نضطر إلى إعادة التحقيق من وجوه أخرى؛ لأن شهودا كثيرين شهدوا أن هذا الرجل يدعى جان شفلر، وأنه كان بعد ظهر أول أمس في مكتب المحامي المستر بلاك؛ ولذلك يجب أن نحقق ما إذا كانت دعواك على الرجل صحيحة.
فاستشاط أفلن قائلا: ما أنا مدع زورا. - لا تغضب يا مستر أفلن، إذا لم تكن دعواك زورية كانت شهادات شهود المستر شفلر زورية، وحينئذ نحقق لنعلم أي الجانبين مزورا وكاذبا.
فقال شفلر حينذاك: لا داعي لهذا التنازع يا هذين؛ فقد لا يكون أحد من الجانبين مزورا، ها عنقي فانظروه.
وعند ذلك، نزع شفلر طوقه وأدار عنقه إلى جميع الجهات، فلم ير أحد فيه نقطة سوداء، فبهت المستر أفلن، وقال: هذا هو العجب العجاب، ليتني أعرف هذا السر ولو فقدت ربع ثمن الدبوس.
ثم التفت مدير البوليس إلى مس إيفا كروس، وسألها: هل لاحظت نقطة سوداء في أيمن عنق هوكر؟
فلم تجب مس كروس، بل كانت عيناها شاخصتين إلى شفلر من غير أن تجولا في محجريهما، فأعاد عليها السؤال فلم تجب، فهزها من كان جالسا إلى جانبها قائلا: أجيبي.
صفحة غير معروفة