حجة الله البالغة
محقق
السيد سابق
الناشر
دار الجيل
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
سنة الطبع
مكان النشر
بيروت - لبنان
قَوْله ﷺ: " بِيَدِهِ الْمِيزَان أَن يخْفض وَيرْفَع " أَقُول: هَذَا إِشَارَة إِلَى التَّدْبِير، فَإِن مبناه على اخْتِيَار الأوفق بِالْمَصْلَحَةِ، فَمَا من حَادِثَة يجْتَمع فِيهَا أَسبَاب متنازعة إِلَّا وَيَقْضِي الله فِي ذَلِك مَا هُوَ عدل، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن﴾ .
قَوْله ﷺ: " إِن قُلُوب بني آدم كلهَا بَين أصبعين من
من أَصَابِع الرَّحْمَن " وَقَوله ﷺ: " مثل الْقلب كريشة بِأَرْض فلاة تقلبها الرِّيَاح ظهرا لبطن " أَقُول: أَفعَال الْعباد اختيارية، لَكِن لَا اخْتِيَار لَهُم فِي ذَلِك الِاخْتِيَار، وَإِنَّمَا مثله كَمثل رجل أَرَادَ أَن يَرْمِي حجرا، فَلَو أَنه كَانَ قَادِرًا حكيما خلق فِي الْحجر اخْتِيَار الْحَرَكَة أَيْضا، وَلَا يرد عَلَيْهِ أَن الْأَفْعَال إِذا كَانَت مخلوقة لله تَعَالَى، وَكَذَلِكَ الِاخْتِيَار فَفِيمَ الْجَزَاء، لِأَن معنى الْجَزَاء يرجع إِلَى ترَتّب بعض أَفعَال الله تَعَالَى على الْبَعْض، بِمَعْنى أَن الله تَعَالَى خلق هَذِه الْحَالة فِي العَبْد فَاقْتضى ذَلِك فِي حكمته أَن يخلق فِيهِ حَالَة أُخْرَى من النِّعْمَة أَو الْأَلَم كَمَا أَنه يخلق فِي المَاء حرارة، فَيَقْتَضِي ذَلِك أَن يكسوه صُورَة الْهَوَاء، وَإِنَّمَا يشْتَرط وجود الِاخْتِيَار وَكسب العَبْد فِي الْجَزَاء بِالْعرضِ لَا بِالذَّاتِ، وَذَلِكَ لِأَن النَّفس الناطقة لَا تقبل لون الْأَعْمَال الَّتِي لَا تستند إِلَيْهَا، بل إِلَى غَيرهَا من جِهَة الْكسْب، وَلَا الْأَعْمَال الَّتِي لَا تستند إِلَى اخْتِيَارهَا وقصدها، وَلَيْسَ فِي حِكْمَة الله أَن يجازى العَبْد بِمَا لم تقبل نَفسه الناطقة لَونه، فَإِذا كَانَ الْأَمر على ذَلِك كفى هَذَا الِاخْتِيَار غير المستقل فِي الشّرطِيَّة إِذا كَانَ مصححا لقبُول لون الْعَمَل، وَهَذَا الْكسْب غير المستقل إِذا كَانَ مصححا لتخصيص هَذَا العَبْد بِخلق الْحَالة الْمُتَأَخِّرَة فِيهِ دون غَيره، وَهَذَا تَحْقِيق شرِيف مَفْهُوم من كَلَام الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فاحفظه.
قَوْله ﷺ: " إِن الله خلق خلقه فِي ظلمَة فَألْقى عَلَيْهِم من نوره فَمن أَصَابَهُ من ذَلِك النُّور اهْتَدَى وَمن أخطأه ضل " فَلذَلِك أَقُول: جف الْقَلَم على علم الله، مَعْنَاهُ أَنه قدرهم قبل أَن يخلقوا، فَكَانُوا هُنَالك عُرَاة عَن الْكَمَال فِي حد أنفسهم، فاستوجبوا أَن يبْعَث إِلَيْهِم، وَينزل عَلَيْهِم، فاهتدى بعض مِنْهُم، وضل آخَرُونَ وَقدر جَمِيع ذَلِك مرّة وَاحِدَة، لَكِن كَانَ لما من أنفسهم تقدم على مَا لَهُم يبْعَث الرُّسُل، كَقَوْلِه ﷺ رِوَايَة عَن الله تَعَالَى: " كلكُمْ جَائِع إِلَّا من أطعمته، وكلكم ضال إِلَّا من هديته " أَو نقُول: هَذَا إِشَارَة إِلَى وَاقعَة مثل وَاقعَة إِخْرَاج ذُرِّيَّة آدم ﵇.
قَوْله ﷺ: " إِذا قضى الله لعبد أَن يَمُوت بِأَرْض جعل لَهُ إِلَيْهَا حَاجَة " أَقُول: فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن بعض الْحَوَادِث تُوجد لِئَلَّا ينخرم نظام الْأَسْبَاب، فَإِن لم يكن اسْتهلّ من إلهام أَو بعث تقريب لَا بُد أَن يظْهر ذَلِك
1 / 285