حجة الله البالغة
محقق
السيد سابق
الناشر
دار الجيل
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
سنة الطبع
مكان النشر
بيروت - لبنان
قَوْله ﷺ: " من وجد من ذَلِك شَيْئا فَلْيقل آمَنت
بِاللَّه وَرَسُوله، وَقَوله ﷺ: " فليستعذ بِاللَّه وليتفل عَن يسَاره " سره أَن الالتجاء إِلَى الله وتذكره وتقبيح حَال الشَّيَاطِين وإهانة أَمرهم يصرف وَجه النَّفس عَنْهُم، ويصد عَن قبُول أَثَرهم، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن الَّذين اتَّقوا إِذا مسهم طائف من الشَّيْطَان تَذكرُوا فَإِذا هم مبصرون﴾ .
وَقَوله ﷺ: " احْتج آدم ومُوسَى عِنْد ربهما ".
أَقُول معنى قَوْله: عِنْد ربهما " أَن روح مُوسَى ﵇ انجذبت إِلَى حَظِيرَة الْقُدس، فوافت هُنَالك آدم.
وبطن هَذِه الْوَاقِعَة وسرها أَن الله فتح على مُوسَى علما على لِسَان آدم ﵉ شبه مَا يرى النَّائِم فِي مَنَامه ملكا أَو رجلا من الصَّالِحين يسْأَله، ويراجعه الْكَلَام حَتَّى يفِيء عَنهُ بِعلم لم يكن عِنْده. وَهَهُنَا علم دَقِيق كَانَ قد خَفِي على مُوسَى ﵇ حَتَّى كشفه الله عَلَيْهِ فِي هَذِه الْوَاقِعَة. وَهُوَ أَنه اجْتمع فِي قصَّة آدم ﵇ وَجْهَان.
أَحدهمَا مِمَّا يَلِي خويصة نفس آدم ﵇، وَهُوَ أَنه كَانَ مَا لم يَأْكُل الشَّجَرَة لَا يظمأ وَلَا يضحى، وَلَا يجوع وَلَا يعرى - وَكَانَ بِمَنْزِلَة الْمَلَائِكَة فَلَمَّا أكل غلبت البهيمية، وكمنت الملكية، فَلَا جرم أَن أكل الشَّجَرَة إِثْم يجب الاسْتِغْفَار عَنهُ.
وَثَانِيهمَا مِمَّا يَلِي التَّدْبِير الْكُلِّي الَّذِي قَصده الله تَعَالَى فِي خلق الْعَالم
وأوحاه إِلَى الْمَلَائِكَة قبل أَن يخلق آدم وَهُوَ أَن الله تَعَالَى أَرَادَ بخلقه أَن يكون نوع الْإِنْسَان خَليفَة فِي الأَرْض يُذنب، ويستغفر، فَيغْفر لَهُ، ويتحقق فيهم التَّكْلِيف وَبعث الرُّسُل وَالثَّوَاب وَالْعَذَاب ومراتب الْكَمَال والضلال، وَهَذِه نشأة عَظِيمَة على حدتها، وَكَانَ أكل الشَّجَرَة حسب مُرَاد الْحق ووفق حكمته، وَهُوَ قَوْله ﷺ: " لَو لم تذنبوا لذهب الله بكم وَجَاء بِقوم آخَرين يذنبون وَيَسْتَغْفِرُونَ فَيغْفر لَهُم " وَكَانَ آدم أول مَا غلبت عَلَيْهِ بهيميته استتر عَلَيْهِ الْعلم الثَّانِي، وأحاط بِهِ الْوَجْه الأول، وَعُوتِبَ عتابا شَدِيدا فِي نَفسه، ثمَّ سرى عَنهُ، ولمع عَلَيْهِ بارق من الْعلم الثَّانِي، ثمَّ لما انْتقل إِلَى حَظِيرَة الْقُدس علم الْحَال أصرح مَا يكون، وَكَانَ مُوسَى ﵇ يظنّ مَا كَانَ يظنّ آدم ﵇ حَتَّى فتح الله عَلَيْهِ الْعلم الثَّانِي، وَقد ذكرنَا أَن الوقائع الخارجية يكون لَهَا تَعْبِير كتعبير الْمَنَام وَأَن الْأَمر وَالنَّهْي لَا يكونَانِ جزَافا، بل لَهما استعداد يوجبهما.
1 / 283