204

حجة الله البالغة

محقق

السيد سابق

الناشر

دار الجيل

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

سنة الطبع

مكان النشر

بيروت - لبنان

(تَتِمَّة)
(بَاب أَسبَاب اخْتِلَاف الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فِي الْفُرُوع)
اعْلَم أَن رَسُول الله ﷺ لم يكن الْفِقْه فِي زَمَانه الشريف مدونا، وَلم يكن الْبَحْث فِي الْأَحْكَام يَوْمئِذٍ مثل الْبَحْث من هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاء حَيْثُ يبنون بأقصى جهدهمْ الْأَركان والشروط، وآداب كل شَيْء ممتازا عَن الآخر بدليله، ويفرضون الصُّور يَتَكَلَّمُونَ على تِلْكَ الصُّور الْمَفْرُوضَة،
ويحدون مَا يقبل الْحَد، ويحصرون مَا يقبل الْحصْر إِلَى غير ذَلِك من صنائعهم، أما رَسُول الله ﷺ فَكَانَ يتَوَضَّأ، فَيرى الصَّحَابَة وضوءه، فَيَأْخُذُونَ بِهِ من غير أَن يبين أَن هَذَا ركن وَذَلِكَ أدب، وَكَانَ يُصَلِّي، فيرون صلَاته، فيصلون كَمَا رَأَوْهُ يُصَلِّي، وَحج، فرمق النَّاس حجه، فَفَعَلُوا كَمَا فعل، فَهَذَا كَانَ غَالب حَاله ﷺ، وَلم يبين أَن فروض الْوضُوء سِتَّة أَو أَرْبَعَة، وَلم يفْرض أَنه يحْتَمل أَن يتَوَضَّأ إِنْسَان بِغَيْر مُوالَاة حَتَّى يحكم عَلَيْهِ بِالصِّحَّةِ أَو الْفساد إِلَّا مَا شَاءَ الله، وقلما كَانُوا يسألونه عَن هَذِه الْأَشْيَاء. عَن ابْن عَبَّاس ﵄ قَالَ: مَا رَأَيْت قوما كَانُوا خيرا من أَصْحَاب رَسُول الله ﷺ مَا سَأَلُوهُ عَن ثَلَاث عشرَة مَسْأَلَة حَتَّى قبض، كُلهنَّ فِي الْقُرْآن مِنْهُنَّ. ﴿يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ قل قتال فِيهِ كَبِير﴾ . ﴿ويسألونك عَن الْمَحِيض﴾ .
قَالَ: مَا كَانُوا يسْأَلُون إِلَّا عَمَّا يَنْفَعهُمْ. قَالَ ابْن عمر: لَا تسْأَل عَمَّا لم يكن فَإِنِّي سَمِعت عمر بن الْخطاب يلعن من سَأَلَ عَمَّا لم يكن.

1 / 243