الحدود والتعزيرات عند ابن القيم
الناشر
دار العاصمة للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الثانية ١٤١٥ هـ
تصانيف
مناقشة هذا الاستدلال:
وقد أوضح ابن القيم رحمه الله تعالى فيما تقدم أن هذا الأثر لا يعني سقوط الحد بالكلية وإنما سقوط مقيد لن كانت حاله وصفته كأبي محجن ﵁. ولهذا تعقب من يستدل به على إسقاط الحد بالكلية فقال رحمه الله تعالى (١): (لا حجة فيه - أي لأبي حنيفة- والظاهر أن سعدًا ﵁ اتبع في ذلك سنة الله تعالى. فإنه لما رأى من تأثير أبي محجن وجهاده وبذل نفسه لله ما رأى، درأ عنه الحد. لأن ما أتى به من الحسنات غمرت هذه السيئة الواحدة. وجعلتها كقطرة نجاسة وقعت في بحر. ولا سيما وقد شام منه مخايل التوبة النصوح وقت القتال. إذ لا يظن مسلم إصراره في ذلك الوقت الذي هو مظنة القدوم على الله وهو يرى الموت. وأيضًا فإنه لتسليمه نفسه ووضع رجله في القيد اختيارًا قد استحق أن يوهب له حده كما قال (٣) النبي ﷺ للرجل الذي قال له (يا رسول الله أصبت حدًا فأقمه علي. فقال هل صليت معنا هذه الصلاة؟ قال: نعم. قال اذهب فإن الله قد غفر لك حدك) - وظهرت بركة هذا العفو والإسقاط في صدق توبته. فقال: والله لا أشربها أبدًا. وفي رواية (أبد الأبد) وفي رواية (قد كنت آنف أن أتركها من أجل جلداتكم، فأما إذا تركتموني فوالله لا أشربها أبدًا) . وقد بريء النبي ﷺ مما صنع خالد ببني جذيمة (٣) لحسن بلائه وقال (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) ولم يؤاخذه به لحسن بلائه ونصره للإسلام.
ومن تأمل المطابقة بين الأمر والنهي والثواب والعقاب وارتباط أحدهما بالآخر علم فقه هذا الباب) .
_________
(١) انظر: أعلام الموقعين ٣/١٨- ١٩.
(٢) هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه ١٣/ ١٨١- مع شرحه فتح الباري لابن حجر.
(٣) هو: خالد ابن الوليد بن المغيرة القرشي المخزومي سيف الله المسلول على أعداء الله المشركين مات ﵁ سنة ٣١ هـ. بحمص وقيل بالمدينة (انظر: الإصابة ١/٤١٣ - ٤١٥) .
1 / 64