الحدود والتعزيرات عند ابن القيم
الناشر
دار العاصمة للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الثانية ١٤١٥ هـ
تصانيف
ومنها علمه بأن أعماله هي زاده ووسيلته إلى دار إقامته فإن تزود من طاعته وصل إلى دار أهل طاعته وولايته.
ومنها علمه بأن عمله هو وليه في قبره وأنيسه فيه وشفيعه عند ربه والمخاصم والمحاج عنه، فإن شاء جعله له، وإن شاء جعله عليه.
ومنها علمه بأن أعمال البر تنهض بالعبد وتقوم به وتصعد إلى الله به، فبحسب قوة تعلقه بها يكون صعوده مع صعودها. وأعمال الفجور تهوي به وتجذبه إلى الهاوية وتجره إلى أسفل سافلين، وبحسب قوة تعلقه بها يكون هبوطه معها ونزوله إلى حيث يستقر به، قال الله تعالى (١): (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) وقال تعالى (٢): (إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء) فلما لم تفتح أبواب السماء لأعمالهم بل أغلقت عنها، لم تفتح لأرواحهم عند المفارقة بل أغلقت عنها. وأهل الإيمان والعمل الصالح لما كانت أبواب السماء مفتوحة لأعمالهم حتى وصلت إليه تعالى وقامت بين يديه، فرحمها وأمر بكتابة اسمها في عليين.
ومنها خروجه من حصن الله الذي لا ضيعة على مدخله، فيخرج بمعصيته منه
إلى حيث يصير نهمًا للصوص وقطاع الطرق. فما الظن بمن خرج من حصن حصين لا تدركه فيه آفة، إلى خربة وحشة هي مأوى اللصوص وقطاع الطريق فهل يتركون معه شيئًا من متاعه؟ ومنها أنه بالمعصية قد تعرض لمحق بركته. وبالجملة فآثار المعصية القبيحة أكثر من أن يحيط بها العبد علمًا، وآثار الطاعة الحسنة أكثر من أن يحيط بها علمًا، فخير الدنيا والآخرة بحذافيره في طاعة الله، وشر الدنيا والآخرة بحذافيره في معصيته، وفي بعض الآثار يقول الله ﷾: " من ذا الذي أطاعني فشقي بطاعتي؟ ومن ذا الذي عصاني فسعد بمعصيتي".
_________
(١) الآية رقم ١٠ فاطر.
(٢) الآية رقم ٤٠ سورة الأعراف.
1 / 33