أخذت صندوقا من الورق المقوى مملوءا بالغلايين من مكان ما أسفل طاولة البيع. يا للسوء الذي أصبحت عليه لهجتها! أم هل تراني أتخيل فقط ذلك؛ لأن معاييري قد تغيرت؟ ولكن لا، فقد كانت شديدة «الرقي»؛ فكل الفتيات في ليلي وايت كن شديدات «الرقي»، وكانت عضوة في حلقة قراءة راعي الكنيسة. أقسم إنها لم تكن تسقط قط بعض الحروف في كلامها. من الغريب كيف يتدهور الحال بهؤلاء النساء بمجرد زواجهن. عبثت في الغلايين قليلا وتظاهرت بالنظر فيها، ثم في النهاية قلت إنني أريد غليونا بمبسم كهرماني. «كهرماني؟ لا أعرف إن كان لدينا أي ...» ثم استدارت في اتجاه الجزء الخلفي من المتجر، وقالت: «جورج!»
إذن، كان اسم الرجل الآخر الواقف في المتجر جورج أيضا. ثم سمعت ضوضاء آتية من الجزء الخلفي من المتجر . «جورج ! أين وضعت صندوق الغلايين الآخر؟»
أتى جورج، وكان رجلا بدينا وقصيرا، يرتدي قميصا دون أي شيء فوقه، وكان ذا رأس أصلع وشارب كبير بلون الزنجبيل يغطي كثيرا من شفته العلوية. وكان فكه يتحرك ويمضغ شيئا؛ فكان من الواضح أنها قد قاطعته في وسط تناوله للشاي. بدأ الاثنان في البحث في أرجاء المتجر عن صندوق الغلايين الآخر. وقد مرت خمس دقائق تقريبا قبل أن يجداه خلف بعض زجاجات الحلوى. من المدهش كمية الركام التي يكدسونها في هذه المتاجر الصغيرة القذرة، بينما لا تتعدى قيمة مخزونهم كله ما يقرب من خمسة جنيهات.
شاهدت العجوز إلسي وهي تندس بين الركام وتتمتم مع نفسها. هل تعرف تلك الحركات المتثاقلة للأكتاف المستديرة التي تصدر عن النساء العجائز عندما يفقدن شيئا؟ لا فائدة من أن أشرح لك ما كنت أشعر به؛ فقد كان شعورا باردا وشديد الكآبة. لا يمكنك فهمه إلا إذا جربته. كل ما يمكنني قوله هو إن كانت هناك فتاة كنت تهتم بأمرها من نحو خمس وعشرين سنة، فلتذهب وتلقي نظرة عليها الآن، فلربما حينها ستعلم ما أشعر به.
ولكن، في الحقيقة، الفكرة الأساسية التي كانت في ذهني كانت مدى اختلاف الأشياء عما تتوقع أن تكون عليه. يا له من وقت ذلك الذي أمضيته مع إلسي! ويا لها من ليال في شهر يوليو تلك التي قضيتها معها أسفل أشجار الكستناء! ألا تعتقد أن ذلك يخلف بعض الأثر وراءه؟ من كان يفكر أن وقتا سيأتي وليس بيننا أي شعور من أي نوع؟ ها أنا هنا وها هي كذلك، جسمانا قد لا يبعدان سوى ياردة واحدة عن بعضهما البعض، ولكننا كنا مجرد غريبين كما لو أننا لم نلتق قط. أما هي، فلم تتعرف حتى علي. وإن كنت قد أخبرتها بمن أكون، فمن المحتمل جدا ألا تتذكرني. وإن كانت قد تذكرتني، فبم كانت ستشعر؟ لا شيء. ربما لم تكن حتى لتغضب لأنني عاملتها بطريقة سيئة. كان الأمر برمته كأن لم يحدث قط.
ومن جهة أخرى، من كان يتوقع يوما أن إلسي ستصبح بهذا الحال؟ لقد بدت من ذلك النوع من الفتيات المقدر لهن أن ينتهين نهاية سيئة. أعلم أنها عرفت رجلا على الأقل قبل أن أقابلها، ومن المؤكد أنها عرفت رجالا آخرين بين معرفتي ومعرفة جورج الآخر. ولن أتعجب إن علمت أنها كانت تعرف العديد منهم في وقت واحد. لقد عاملتها معاملة سيئة، لا شك في ذلك، وفي كثير من الأحيان كان ذلك يؤرقني؛ إذ كنت أتخيل أنه سينتهي بها الحال في الشوارع، أو أنها ستنتحر بوضع رأسها في فرن الغاز. وفي بعض الأحيان، كنت أشعر أنني كنت وغدا بعض الشيء، ولكن في أحيان أخرى كنت أعتقد (وهو ما كان صحيحا للغاية) أنني إن لم أكن قد تركتها لكان أحد غيري فعل ذلك. ولكنك ترى المنوال الذي تسير عليه الأمور، ذلك المنوال غير ذي المعنى الكليل؛ فكم من امرأة قد انتهى بها الحال بالفعل في الشوارع؟ العديد منهن قد انتهى بهن الحال مشوهات. لم يسؤ بإلسي الحال، ولم يكن جيدا كذلك؛ فقط انتهى بها الحال كالجميع، امرأة عجوز بدينة تدير متجرا قذرا وصغيرا، مع زوج ذي شارب بلون الزنجبيل يدعى جورج. وربما كان لديها الكثير من الأطفال كذلك. السيدة جورج كوكسون التي عاشت محترمة وستموت مأسوفا عليها، وقد تموت قبل حكم المحكمة بالإفلاس، إن كانت محظوظة.
كانا قد وجدا صندوق الغلايين. وبالطبع لم يكن أي منها بمبسم كهرماني. «لا أعتقد أن لدينا أي قطع كهرمانية في الوقت الحالي يا سيدي. ولكن لدينا بعض القطع من المطاط الصلد.»
قلت: «أريد مبسما كهرمانيا.»
قالت: «لدينا غلايين جيدة هنا.» ثم أخرجت غليونا من الصندوق وقالت: «ذلك غليون جيد، وثمنه نصف كروان.»
أخذته، وتلامست أصابعنا؛ ولكن بلا إحساس أو ردة فعل، فجسمانا لا يتذكر كل منهما الآخر. أظن أنك تعتقد أنني سأشتري الغليون، فقط من أجل الأيام الخوالي، كي أعطي إلسي نصف كراون، ولكن لا شيء من هذا قد حدث، فأنا لم أكن أريده، فأنا لا أدخن الغليون، ولم أرد سوى ذريعة أدخل بها المتجر. لذا، قلبته بين أصابعي ثم وضعته على طاولة البيع، وقلت: «لا يهم، أنا لا أريده. أعطني علبة سجائر صغيرة من ماركة بلايرز.»
صفحة غير معروفة