كان لا بد أن أخمن أنها الآنسة تودجرز؛ إذ يمكنك أن ترى ذلك في عينيها. تعرف هذا النوع من الشياطين الصارمين العجائز من ذوي الشعر الأشيب والوجه الأشبه بالسمك المدخن، الذين يضعونهم دائما على رأس فرق كشافة الفتيات، ونزل جمعية الشابات المسيحيات العالمية، وما إلى ذلك. كانت ترتدي معطفا وتنورة فيما بدا نوعا ما كزي رسمي، يعطيك انطباعا قويا بأنها كانت ترتدي حزام سام براون العسكري، على الرغم من أنها في واقع الأمر لم تكن ترتديه. عرفت من أي الأنواع من الناس هي. لقد انضمت لفيلق الجيش النسائي المساعد، ولم تحظ بيوم من المرح بعدها. وهذا التدريب كان بمثابة ترويح عن نفسها. عند مرور الأطفال، سمعتها تصرخ فيهم تماما كما يصرخ الرقيب الأول، قائلة: «مونيكا! ارفعي قدميك!» ورأيت أن الأطفال الأربعة في الصف الأخير كانوا يحملون راية أخرى بإطار أحمر وأبيض وأزرق، مكتوب عليها في المنتصف:
نحن جاهزون. فهل أنتم كذلك؟
قلت للحلاق: «ما الغرض من سيرهم هكذا ذهابا وإيابا؟» «لا أعلم. أعتقد أنه نوع من أنواع الدعاية.»
عرفت ذلك بالطبع. كان هذا من شأنه فتح عقول الأطفال على الحرب، وإعطاؤنا جميعا الشعور بأنه لا مهرب منها؛ فالقنابل آتية بالتأكيد كما أن الكريسماس آت؛ فانزل إلى القبو ولا تجادل. كانت طائرتان سوداوان ضخمتان آتيتان من وولتن تحلقان أعلى الطرف الشرقي للبلدة. يا إلهي! اعتقدت أن الحرب عندما ستبدأ لن نفاجأ بها أكثر مما تفاجئنا الأمطار؛ فنحن ننتظر بالفعل القنبلة الأولى. استأنف الحلاق حديثه ليخبرني أنه بفضل جهود الآنسة تودجرز، قدمت أقنعة الغاز لأطفال المدارس بالفعل.
حسنا، بدأت أستكشف البلدة. لقد أمضيت فيها يومين متجولا حول معالمها القديمة، التي تمكنت من التعرف على بعضها، وفي كل ذلك الوقت لم أقابل أحدا يعرفني. كنت شبحا، وإن لم أكن غير مرئي بالفعل، فقد شعرت بذلك.
كان أمرا غريبا، أغرب من أن أستطيع وصفه. هل قرأت من قبل قصة لإتش جي ويلز عن رجل كان في مكانين في وقت واحد، أي إنه كان بالفعل في بلدته الأصلية، ولكن كانت لديه هلاوس بأنه في قاع البحر؟ لقد كان يتجول في غرفته؛ ولكن بدلا من الطاولات والكراسي، كان يرى أعشاب الماء المتموجة وأسماك الحبار والسرطانات الضخمة تسعى للحصول عليه. حسنا، ذلك ما كان عليه الوضع تماما. لساعات بلا توقف، كنت أتجول في عالم لم يكن موجودا، وكنت أعد خطواتي وأنا أسير على الرصيف وأقول في نفسي: «أجل ، هنا يبدأ حقل كذا وكذا. السياج يمتد مع الشارع ويمر عبر ذلك المنزل. ومضخة الوقود هذه كانت فيما مضى شجرة دردار. وها هي حافة المزارع. وهذا الشارع (الذي كان صفا صغيرا كئيبا من المنازل شبه المنفصلة والذي كان يسمى شارع كمبرليدج، على ما أتذكر) كان الزقاق حيث كنا نذهب مع كيتي سيمونز، وكانت شجيرات البندق تنمو على جانبيه.» لا شك أنني أخطأت في المسافات، ولكن الاتجاهات العامة كانت صحيحة. لا أعتقد أن أحدا ممن لم يولدوا هنا كان ليصدق أن تلك الشوارع كانت حقولا فقط من عشرين سنة مضت. كان الأمر كما لو أن الريف قد دفن بفعل اندفاع بركاني قادم من الضواحي الخارجية؛ فتقريبا كل ما كان في الماضي أرض العجوز بروير ابتلعته عقارات مساكن البلدية. اختفت الطاحونة، وجففت بركة الأبقار التي اصطدت فيها سمكتي الأولى ثم ردمت وبني عليها، حتى إنني لا يمكنني أن أعرف أين كانت بالتحديد. كان المكان كله مليئا بالمنازل؛ مكعبات حمراء صغيرة من المنازل المتشابهة، بأسيجة من الشجيرات ومسارات من الأسفلت تقود إلى الأبواب الأمامية. خلف مبنى البلدية، كانت تضيق البلدة قليلا، ولكن كان بناة المنازل الرخيصة يعملون هناك عن كثب. وكانت ثمة مجموعات قليلة من المنازل المنتشرة هنا وهناك، حيثما استطاع أحد شراء قطعة أرض، وشوارع تبدو مؤقتة تقود إلى المنازل، وأراض خالية عليها لافتات البنائين، وبعض الحقول المهجورة المغطاة بالنباتات الشوكية والعلب المعدنية.
من ناحية أخرى، لم تتغير الأمور كثيرا في وسط البلدة القديمة فيما يتعلق بالمباني. ما زالت العديد من المتاجر تعمل في المجال نفسه، على الرغم من تغير أسمائها. ما زال ليلي وايت متجرا للقماش، ولكنه لم يبد شديد الازدهار. ولكن ما كان متجر جزارة جرافيت أصبح الآن متجرا لبيع أجهزة الراديو. أما النافذة الصغيرة للأم ويلر، فقد أغلقت بالطوب. وكان متجر جريميت لا يزال متجرا للبقالة، ولكن استولت عليه الشركة الدولية. يعطيك ذلك فكرة عن قوة هذه الاتحادات الكبيرة، حيث يمكنها ابتلاع عجوز بخيل وذكي كجريميت. ولكن مما أعرفه عنه - ناهيك عن شاهد قبره الرائع في مدفن الكنيسة - أراهن أنه مات وأحواله جيدة ومعه من عشرة إلى خمسة عشر ألف جنيه. المتجر الوحيد الذي كان لا يزال ملكا لأصحابه كان متجر آل سارازينز، الذين دمروا أبي؛ حيث تطوروا كثيرا، وأصبح لهم فرع ضخم آخر في الجزء الجديد من البلدة، ولكنهم حولوا نشاط متاجرهم لتصبح متاجر عامة، وأصبحوا يبيعون الأثاث والأدوية والأجهزة والأدوات المعدنية، بالإضافة إلى أدوات الحدائق القديمة.
في أغلب الوقت على مدى يومين، لم أفعل شيئا سوى التجول هنا وهناك، ولم أكن أشعر بالألم أو الضيق، ولكني تمنيت ذلك في بعض الأحيان. كما كنت أتناول الخمر بشكل مبالغ فيه؛ فتقريبا بمجرد وصولي إلى لوير بينفيلد، بدأت في الإسراف في الشراب، وبعدها لم يبد لي أن الحانات تفتح مبكرا، حيث كان لساني يتدلى دائما من العطش في النصف الساعة الأخيرة قبل موعد فتحها.
لا تظن أنني كنت في ذلك المزاج طوال الوقت؛ فأحيانا كان يبدو لي أنه لا يهمني على الإطلاق إن كانت معالم لوير بينفيلد قد طمست. وفي النهاية، ألم يكن السبب في أنني أتيت إلى هنا هو الهروب من عائلتي لبعض الوقت؟ لم يكن ثمة سبب يمنعني من القيام بكل الأشياء التي كنت أريد القيام بها، حتى صيد الأسماك إن شعرت أنني أريد ذلك. لذا، بعد ظهيرة يوم السبت ذهبت إلى متجر لأدوات الصيد في هاي إستريت وابتعت قصبة مصنوعة من الخيزران (لطالما أردت هذا النوع عندما كنت صبيا؛ فهي أحب إلي أكثر قليلا من تلك المصنوعة من أشجار الغار) وخطافات وأحشاء وما إلى ذلك. أبهجتني أجواء المتجر؛ وعلى الرغم من تغير كل شيء، فلم تتغير أدوات الصيد، بالطبع لأن السمك لا يتغير كذلك. ولم ير صاحب المتجر شيئا يدعو إلى الضحك في رجل بدين في منتصف العمر يشتري قصبة صيد؛ بل على العكس، فقد تجاذبنا أطراف الحديث قليلا حول الصيد في نهر التيمز وسمكة الشوب الكبيرة التي اصطادها أحد الأشخاص العام قبل الماضي بمعجون مصنوع من الخبز البني والعسل ولحم أرنب مسلوق ومفروم. لقد اشتريت منه أيضا أشياء أخرى - على الرغم من أنني لم أخبره بما أريدها من أجله، وحتى إنني لم أصرح لنفسي بالسبب - لقد اشتريت أقوى خيط لصيد أسماك السلمون لديه، وخطافات رقم خمسة لصيد سمك الروش، وأنا آمل في صيد أسماك الشبوط في منزل بينفيلد في حالة كانت لا تزال موجودة.
قضيت معظم صباح يوم الأحد في التفكير في الأمر، هل علي أن أذهب للصيد أم لا؟ كنت في لحظة أقول في نفسي لماذا لا أذهب، وفي اللحظة التالية كان يبدو الأمر لي كأحد الأشياء التي تحلم بها، ولكنك لا تفعلها أبدا. ولكن بعد الظهيرة أخذت السيارة وذهبت إلى بورفورد وير. اعتقدت أنني سألقي نظرة فقط على النهر، وأنني في اليوم التالي، إن كان الطقس جيدا، ربما سآخذ قصبة الصيد الجديدة، وأرتدي معطفا قديما وبنطالا رماديا من قماش الفلانيلة كنت قد جلبتهما معي في حقيبتي، وأقضي يوما جيدا في الصيد، وربما ثلاثة أو أربعة أيام إن شعرت أنني أريد ذلك.
صفحة غير معروفة