فقالت بعجلة واهتمام: لقد أحببته، صدقني! - أنت مصدقة، ولكني سآسف كثيرا لغيابك. - لن تذوق في هذه الشقة الوحدة أبدا. - ولكنها مكان عبور ليس إلا! - إنه شعار يصلح لأي مكان.
فتراجع إلى الكنبة الاستوديو ثم جلس. أغمض عينيه قليلا، ثم قال: زرت الجبهة أخيرا ضمن وفد المصورين السينمائيين، والتقطت صورا لبورسعيد شبه الخالية. هل سبق لك أن شاهدت مدينة خالية؟ - كلا. - كالحلم المرعب! - زرت بورسعيد يوما واحدا قبل الحرب. - أما أنا فعشت فيها ثلاثة أسابيع، ونحن نصور فيلم «فتاة فلسطين» منذ أعوام، وهي تعيش وتنام كالمدن، ولكنها تصحو في أي ساعة من الليل لدى وصول أي سفينة، وسرعان ما تخلق فيها الحياة بقوة وسرعة، فتدب الحركة، وتشع الأنوار، وترتفع الحرارة، وفي الأماسي تترامى من جنبات الميناء أغان شعبية غاية في الفتنة! - ووجدتها شبه خالية؟ - ولم تمس بسوء، بخلاف المدن الأخرى.
وصمتت قليلا، ثم ساءلت نفسها: ترى هل تقوم الحرب من جديد؟
فهز رأسه قائلا: لن يتهيأ لنا ذلك في القريب، ولن يشجعنا أحد عليه، ولكن الصمود يوفر لنا أطيب شروط عقب هزيمة يونيو. - الجنود يريدون الحرب. - هذا طبيعي، وكذلك الجماهير، أما نحن فلا ندري ماذا نريد.
وتأوه قائلا: آه يا وطني العزيز!
فقالت بمرارة: أما نحن فكفرنا بكل شيء! - أنتم أبناء الثورة، وعليكم أن تحلوا مشاكلكم معها.
ثم سألها مغيرا نبرته: كأس أخرى؟
فهزت رأسها نفيا، فقال: قلت إني حصلت على فيلم ممتاز!
فتساءلت ضاحكة: أتذكر فيلم القسيس وبائعة الخبز؟ - هذا عن المرأتين ورجل، ثم ينقض عليهم رجل غريب جديد!
فسألته: لم لا تتزوج قبل أن يفوتك القطار؟ - ولكنه فاتني يا عزيزتي. - توجد زوجة مناسبة دائما. - تكلمي بخير وإلا فاسكتي!
صفحة غير معروفة