لكنني لم أصمت، وقلت له: «ينبغي أن يعلم الناس.» «حقا؟ ثمة فارق بين المعرفة والثرثرة. ضعي هذا الكلام في ذهنك، ولا تتحدثي في هذا الموضوع مجددا أبدا.» •••
لم نتحدث مجددا طوال ما تبقى من ذلك اليوم. طهوت لحما مشويا كالمعتاد على العشاء، وتناولناه دون أن ينبس أي منا ببنت شفة. لا أظن أنه وجد صعوبة في ذلك على الإطلاق، وكذلك أنا؛ لأن كل شيء بدا غبيا ومهينا، وكنت أشعر بالغضب، لكنني لن أظل على هذا الحال إلى الأبد، وربما أعتذر عما بدر مني (قد لا يدهشك سماع ذلك). صار من الجلي للغاية أنه قد حان موعد مغادرتي المنزل.
أخبرني الرجل الذي قابلته ليلة أمس أنه عندما يشعر بالراحة والسكينة، تختفي لعثمته تماما، مثلما كان الحال وهو يتحدث معي، حسبما قال. يمكنني على الأرجح إيقاعه في غرامي، إلى حد ما. يمكنني فعل ذلك بغية الترفيه؛ فتلك هي نوعية الحياة التي يمكنني الحصول عليها هنا. •••
عزيزي آر، لم أغادر المنزل لأن سيارتي الميني كوبر لم تكن في حالة تسمح بأن تقلني، فأرسلتها للفحص. هذا فضلا عن أن الطقس قد تغير، وصارت الرياح عاتية كعادتها في فصل الخريف؛ تثير مياه البحيرة، وتضرب الشاطئ بقوة؛ فأصابت السيدة باري على درجات سلم منزلها الأمامية، وعصفت بها على الرصيف، فكسر مرفقها؛ مرفقها الأيسر. بيد أنها قالت إن بوسعها العمل باستخدام ذراعها اليمنى، لكن أبي أخبرها بأن الكسر مضاعف، وينبغي عليها الراحة طوال هذا الشهر. وسألني عما إذا كان لدي مانع في تأجيل مغادرتي للمنزل. كانت هذه كلماته بالضبط «تأجيل مغادرتي». لم يسألني عن المكان الذي أخطط للذهاب إليه؛ كان يعلم فقط بأمر السيارة.
أنا أيضا كنت أجهل المكان الذي سأذهب إليه.
فوافقت على البقاء ما دام لي نفع في المكان ؛ ومن ثم، صار هناك احترام بيننا في الحديث؛ وقد كان في الواقع أمرا مريحا. حاولت فعل ما كانت ستفعله السيدة بي في المنزل. تخليت عن أي محاولة لإعادة التنظيم، أو التحدث عن إجراء الإصلاحات (كانت الأفاريز قد نظفت بالفعل؛ عندما جاء قريب السيدة بي، شعرت بالذهول والامتنان)، وتمكنت من إغلاق باب الفرن مثلما كانت تفعل السيدة بي بوضع كتابين ثقيلين - عن مجال الطب - على كرسي بدون مساند ودفعه قبالة الفرن لإبقاء الباب مغلقا. طهوت اللحم والخضراوات كما تفعل، ولم أفكر قط في جلب ثمر أفوكادو أو زجاجة من لب ثمرات الخرشوف أو رءوس الثوم إلى المنزل، بالرغم من ملاحظتي توافر كل هذه الأشياء الآن في المتجر. أعددت القهوة سريعة التحضير، وحاولت احتساءها لأرى ما إذا كان بإمكاني الاعتياد عليها، وتمكنت بالطبع من ذلك. نظفت العيادة في نهاية كل يوم، وتوليت أمر غسل الملابس. وكان العامل بالمغسلة يفضل التعامل معي؛ لأنني لم أكن أتهمه بأي شيء.
سمح لي أيضا بالرد على الهاتف، لكن إذا كان المتصل امرأة تطلب التحدث مع أبي، ولا ترغب في الكشف عن أي تفاصيل عن حالتها، كان علي تسجيل رقمها وإخبارها بأن الطبيب سيعاود الاتصال بها. وهذا ما كنت أفعله، وفي بعض الأحيان كانت المرأة تغلق السماعة قبل أن أنهي المكالمة. وعندما أخبرت أبي بذلك، قال لي: «ستعاود الاتصال على الأرجح.»
لم يكن هناك عدد كبير من هذا النوع من المريضات، اللاتي يسميهن أبي الحالات الخاصة. لا أعلم العدد بالضبط؛ ربما واحدة في الشهر. أما أغلب الحالات التي كان يعالجها أبي، فقد كانت حالات التهاب في الحلق، أو تقلص في القولون، أو خراج في الأذن، أو تسارع في نبضات القلب، أو حصوات على الكلى، أو قرحة في المعدة. •••
آر، طرق أبي الليلة باب غرفتي. طرقه مع أنه لم يكن مغلقا تماما. كنت أطالع أحد الكتب آنذاك، فطلب مني - دون توسل بالتأكيد، وإنما بنوع من الاحترام المعقول - مساعدته في العيادة.
كانت تلك هي الحالة الخاصة الأولى في غياب السيدة بي.
صفحة غير معروفة