كان بإمكاني سماع صوت همهمة أبي في العيادة، متحدثا إلى أحد المرضى. رأيت أنوار العيادة مضاءة أثناء دخولي المنزل، ورأيت سيارة المريضة بالخارج؛ فلم يعد أحد يسير على قدميه الآن.
خلعت معطفي، وصعدت إلى الطابق العلوي. كان شغلي الشاغل آنذاك هو عدم السماح للسيدة بي بتحقيق ما تبغيه. ما من أسئلة، أو إدراك صادم، ما من «ما الذي تحملينه في هذا الإناء يا سيدة بي؟» أو «ما الذي تدبرانه أنت وأبي؟» (لم أكن أدعوه «أبي» قط)، وانشغلت على الفور بالبحث في أحد صناديق الكتب التي لم أفرغها بعد. كنت أبحث عن مذكرات آنا جيمسون؛ إذ كنت قد وعدت أحد الذين حضروا الاجتماع، والذي لم يكن عمره يتجاوز السبعين عاما، بإحضارها له. هو يعمل مصورا ويعلم بعض الأمور عن تاريخ كندا العليا؛ وكان يراد أن يصبح مدرس تاريخ، لكنه يعاني من لعثمة منعته من ذلك. أخبرني بذلك في نصف الساعة التي وقفنا فيها على الرصيف نتبادل أطراف الحديث، بدلا من اتخاذ خطوة أكثر جدية بالذهاب إلى مكان ما لاحتساء القهوة. وعند توديع أحدنا الآخر، أخبرني بأنه ود لو دعاني لاحتساء القهوة، لكنه يجب عليه العودة إلى المنزل ليحل محل زوجته في رعاية طفلهما الذي يعاني من المغص.
أفرغت صندوق الكتب بالكامل قبل أن أصل إلى ما أريد؛ كان الأمر أشبه بالبحث عن آثار من عصر قديم. أخذت أبحث فيها جميعا إلى أن رحلت المريضة واصطحب أبي السيدة بي إلى منزلها، وصعد إلى الطابق العلوي؛ استخدم دورة المياه، وخلد إلى النوم. أخذت أقرأ قليلا حتى أصابني النعاس، وكدت أغفو على الأرض. •••
واليوم، أثناء تناولنا الغداء، قال أبي أخيرا: «من يبالي بالأتراك على أي حال؟ صاروا نسيا منسيا.»
ولزم علي القول: «أعتقد أنني أعلم بما يدور هنا.»
فعاد برأسه إلى الوراء، ونخر كالحصان العجوز. «تعلمين، أليس كذلك؟ ما الذي تظنين أنك على علم به؟»
فقلت له: «إنني لا أدينك بشيء. لست أمانع.» «أهكذا إذن؟»
فقلت: «إنني أومن بالإجهاض، وبأنه يجب أن يكون قانونيا.»
فقال لي: «لا أريد سماع هذه الكلمة منك مرة أخرى في هذا المنزل.»
فسألته: «ولم؟» «لأنني من يقرر ما يقال في هذا المنزل.» «أنت لا تفهم ما أقوله.» «ما أفهمه أنك صرت وقحة، وفقدت ما لديك من عقل. تعليم كثير، وعقل صغير.»
صفحة غير معروفة