أما سيسي فيرنس، فلم يخبر أحدا في المنزل بأي شيء من قبل قط. •••
لقد كان سيسي فيرنس ابنا وحيدا، وكان والداه أكبر سنا من آباء الصبية الآخرين وأمهاتهم، أو هكذا بدا عليهما بسبب حياتهما البائسة معا. عندما ترك سيسي الصبية الآخرين، أخذ يهرول كعادته عند وصوله إلى المنطقة التي يقع فيها منزله. لم يكن السبب وراء ذلك هو تلهفه للعودة إلى المنزل، أو اعتقاده بأنه من الممكن أن يفعل شيئا أفضل عند وصوله، ولكن ربما كان السبب هو رغبته في جعل الوقت يمر سريعا؛ لأن اقترابه من المنزل كان يملؤه بالخوف.
وجد سيسي والدته في المطبخ عند وصوله. هذا أمر جيد. لقد نهضت من السرير، وإن كانت لا تزال ترتدي إزار النوم. لم يكن والده في المنزل، وهذا أمر جيد أيضا؛ لقد كان يعمل في صومعة الغلال التي تعمل بالآلات، ولا يعمل بعد ظهيرة أيام السبت؛ لذا، فإن عدم وجوده في المنزل بحلول ذلك الوقت كان معناه على الأرجح أنه قد ذهب مباشرة إلى كمبرلاند، ما عنى بدوره أنهم لن يضطرا للتعامل معه حتى وقت متأخر من اليوم.
كان والد سيسي يدعى سيسي فيرنس أيضا، وقد كان اسما مشهورا ومحبوبا بوجه عام في والي. وعندما يروي أحد قصة تدور أحداثها حول شخص بهذا الاسم - حتى بعد مرور ثلاثين أو أربعين عاما من ذلك الحين - كان سيسلم بأن الجميع سيعرفون أنه يتحدث عن الأب، وليس الابن. وإذا كان المستمع وافدا جديدا نسبيا على المدينة، وعقب على الحديث قائلا: «لا يبدو أنك تتحدث عن سيسي»، فكان يقال له إن سيسي الابن ليس هو المقصود من الحديث. «ليس هو، إننا نتحدث عن والده.»
تحدث الناس عن المرة التي ذهب فيها سيسي فيرنس إلى المستشفى - أو بالأحرى تم نقله إلى هناك - لإصابته بالالتهاب الرئوي أو داء آخر ميئوس منه. فلفته الممرضات في مناشف وملاءات مبللة لمعالجة الحمى التي كان يعاني منها، وأخذ جسده يتعرق مع انخفاض درجة حرارته حتى استحالت جميع المناشف والملاءات إلى اللون البني. لقد كان لون النيكوتين الذي يمتلئ به جسده. لم تر الممرضات شيئا كهذا من قبل. شعر سيسي بالغبطة؛ إذ ادعى أنه اعتاد شرب السجائر والكحوليات منذ أن كان في العاشرة من عمره.
تحدث الناس، كذلك، عن المرة التي ذهب فيها إلى الكنيسة. من الصعب تصور السبب وراء فعله ذلك، لكنها كانت كنيسة معمدانية، وكانت زوجته تتبع هذا المذهب؛ لذا، ربما فعل ذلك لإرضائها؛ وإن كان ذلك أصعب في التصور. وقد كانت الكنيسة تقدم القربان المقدس في يوم الأحد الذي ذهب فيه، وفي الكنائس المعمدانية، يقدم الخبز، لكن بدلا من النبيذ يقدم عصير العنب. وعند تقديم العصير لسيسي فيرنس، صاح بصوت عال: «ما هذا؟ إن كان هذا دم الحمل، فقد كان بلا ريب مصابا بفقر الدم.»
أعدت وجبة الظهيرة في مطبخ آل فيرنس؛ فوضعت شرائح الخبز على المائدة، وفتحت علبة من مكعبات الشمندر، وقليت بعض شرائح السجق الإيطالي، قبل البيض، مع أنه من المفترض قليها بعده، وأبقيت أعلى الموقد للحفاظ عليها دافئة. وكانت والدة سيسي قد بدأت حينذاك في قلي البيض. انحنت السيدة على الموقد وهي تمسك بملعقة البيض في إحدى يديها، بينما ضغطت باليد الأخرى على معدتها لشعورها بألم فيها.
فأمسك سيسي الملعقة من يدها، وخفض درجة حرارة الموقد الكهربائي العالية للغاية، وأبعد المقلاة عن الشعلة حتى تنخفض درجة حرارتها، وذلك لمنع بياض البيض من أن يجمد أو يحترق من الجوانب. لم يكن قد وصل في الوقت المناسب لتنظيف المقلاة من الدهن القديم ووضع بعض الدهن الجديد فيها، فلم تكن أمه تزيل الدهن القديم قط، وإنما تتركه في المقلاة لاستخدامه في وجبة بعد أخرى، وتضع القليل من الدهن الجديد عند الضرورة.
عندما صارت درجة الحرارة مناسبة من وجهة نظر سيسي، وضع المقلاة على الموقد وأخذ يلملم جوانب بياض البيض المتشعبة صانعا منها دوائر مرتبة، وعثر على ملعقة نظيفة وضع بها بعض الدهن الساخن على الصفار لطهيه. أحب هو ووالدته البيض بهذا الشكل، لكنها لم تتمكن عادة من طهيه على النحو الصحيح. أما والده، فأحب تناول البيض مقليا من الجانبين فيتم قلبه وتسويته كفطائر البان كيك، ويفضله شديد النضج حتى يصير كجلد الأحذية، وأسود اللون لامتلائه بالفلفل الأسود. وكان بوسع سيسي طهي البيض كما يفضله والده أيضا.
لم يعرف أي من الصبية الآخرين مدى براعة سيسي في المطبخ، كما لم يعرف أي منهم أيضا المكان الذي كان يختبئ فيه خارج المنزل في الزاوية المظلمة الموجودة بجوار نافذة غرفة الطعام خلف شجرة البرباريس اليابانية.
صفحة غير معروفة