وبالظن يقضي عليك الحكم
وكان مصعب قريبا منهن ومعه إخوان له، فقام فانتقل حتى دنا منهن والستور مسبلة، فصاح: يا هذه، إنا قد ذقناه فوجدناه على ما وصفت، فبارك الله فيك يا عزة! ثم أرسل إلى عائشة: أما أنت فلا سبيل لنا إليك مع من عندك، وأما عزة فتأذنين لها أن تغنينا هذا الصوت، ثم تعود إليك، ففعلت وخرجت عزة إليه، فغنته هذا الصوت مرارا، وكاد مصعب أن يذهب عقله فرحا، ثم قال لها: يا عزة! إنك لتحسنين القول والوصف!
46
وكانت عائشة بنت طلحة لا تستر وجهها من أحد، فعاتبها مصعب في ذلك، فقالت: إن الله - تبارك وتعالى - وسمني بميسم جمال أحببت أن يراه الناس ويعرفوا فضله عليهم، فما كنت لأستره، ووالله ما في وصمة يقدر أن يذكرني بها أحد.
وكانت بجمالها باغية ظالمة، تكلف بالكيد لأترابها من شهيرات النساء، فقد ذكروا أن رملة بنت عبد الله قالت لمولاة لعائشة بنت طلحة: أريني عائشة متجردة ولك ألفا درهم، فأخبرت عائشة بذلك، قالت: فإني أتجرد فأعلميها ولا تعرفيها أني أعلم. فقامت عائشة كأنها تغتسل، وأعلمتها، فأشرفت عليها مقبلة ومدبرة، فأعطت رملة لمولاتها ألفي درهم، وقالت: لوددت أني أعطيتك أربعة آلاف درهم ولم أرها! قال صاحب الأغاني: وكانت رملة قد أسنت، وكانت حسنة الجسم، قبيحة الوجه، عظيمة الأنف، وفيها وفي عائشة يقول الشاعر:
أنعم بعائش عيشا غير ذي رنق
وانبذ برملة نبذ الجورب الخلق
وكانت عائشة بنت طلحة تنافس بالحسن سكينة بنت الحسين، قالت لها يوما سكينة: أنا أجمل منك، قالت عائشة: بل أنا! فاختصمتا إلى عمر بن أبي ربيعة، فقال: لأقضين بينكما، أما أنت يا سكينة فأملح منها، وأما أنت يا عائشة فأجمل منها، فقالت سكينة: قضيت لي والله! ومن هنا نعرف أنهم كانوا يؤثرون الملاحة على الجمال.
أخلاقها
وأما أخلاقها فكان أظهرها العفة، والشراسة، واللؤم، وحدة الشهوة.
صفحة غير معروفة