لم يكن في طاقته أن يرد، لكن قلبه في الباطن كان يهتز، كأنما كان يخشى هذه اللحظة طول العمر، ما الذي يمكن أن يمحو هذا الإثم إلا أن تركع المرأة بين يديه، أن تبلل بدموعها قدميه وتطلب الغفران، أجل كلما اشتد هوانها اشتد كبرياؤه، فلا شيء ينتقص من كبرياء الرجل قدر امرأة بلا إثم يملؤها بالندم.
كان واقفا ينتظر منها الركوع أو الدموع، ولهاث التوبة أو الندم، لكنها ظلت صامتة صمت الموتى في القبور، لم يفلح معها التهديد بعقاب الأرض والسماء، لم يكن أمامه إلا أن ينتظر، مهما طال الوقت ينتظر، فلا شيء يمكن أن ينقذ كبرياءه إلا انفراجة شفتيها بكلمة مثل «اغفر لي.» - أكان في عينيه استجداء؟
أجل، نعم، وبحركة من عينيها الملتهبتين انقلب الوضع، كأنما كانت تقلب بجفونها الصور في كتاب، بدا في الصورة منثنيا إلى أسفل، راكعا بين يديها، يبلل قدميها بدموعه، يستعطفها أن تنطق بالكلمة «اغفر لي»، أرادت أن تفتح فمها وتستغفره دون جدوى، شفتاها ملتصقتان بالنفط كالصمغ، جفونها أيضا ملتصقة كالشفتين، ورموشها تلاصقت بعضها بالبعض.
أمام عينيها لم تر إلا الظلمة، متى تتحرك هذه السحب السوداء بعيدا وتظهر الأضواء؟ إذا كانت الأضواء قد ظهرت هناك فلماذا لا تظهر هنا؟ وإذا كان الإثم قد وقع هنا فلماذا تعرضت للعقاب هناك؟
وانفتح الباب بقوة الريح المباغتة، تدفق شلال النفط بصوت زاعق، وانتصبت الكثبان السوداء بين الأرض والسماء، رفع الرجل ذراعه علامة اليأس، أدرك أن الفرصة ضاعت منه، وأن خواءه ربما انكشف لعين العالم، ولا أمل في إخفاء الحقيقة. - أكان ذلك بسبب تدفق النفط في وقت غير مناسب؟!
إنه يتكلم مع نفسه وذراعه مرفوعة، كأنما يخاطب قمم الكثبان أو قوة ما غير محددة في السماء. - أيها النفط إذا لم تغرقها تماما حتى الموت فلن يبقى في العالم شيء من كبرياء الرجل.
يبدو أن النفط استجاب لدعاء الرجل، وانهمر الشلال بقوة أكثر، والمرأة ترفس بساقيها وذراعيها تقاوم الغرق، أجل، لم يكن للنفط أن يتخلى عن طبيعته وينحاز إلى المرأة، هكذا أيقن الرجل. - ألا تعتذرين عن خطيئتك يا مره؟! - حاولت لكن ... - هل سبق أن حدث ذلك من قبل؟ - نعم، حدث من قبل ...
قالتها وعيناها تتسعان بين السماء والأرض، تبادلت مع الرجل النظر دونما إرادة، رأت في الضوء الشاحب نظرات متبادلة تهدم بقية الأمل.
أكانت لها حياة من قبل؟ لكن السؤال بدا أكبر من قوة خيالها، وأدرك الرجل أنها كانت آثمة طول الوقت منذ الولادة حتى الموت. - آه، نعم، كنت أعرف ذلك، ما الجديد إذن؟
قال ذلك وهو يتسلق سلما عاليا إلى السقف، كان سرواله المخلوع لا يزال في الخطاف يتأرجح، ذراعه تمتد تحاول الوصول إليه، ظهره من الخلف مقوس مثل صنم الجمل، ساقاه أيضا مقوستان يغطيهما شعر ناحل، مبلل بالعرق الأسود، يلتصق بعضه بالبعض. - الآن عليها أن تتخذ القرار وإلا فلن تتخذه أبدا.
صفحة غير معروفة