تهاوى جسدها وهي راقدة، كأنما تسقط في نوم أعمق، تكورت حول نفسها مثل دودة النفط، أصبح وجهها بلون الأرض، ضغطت بيدها فوق صدرها، ثم انتفضت. - لا يوجد نبض!
نهض الرجل من الفراش، بدأ يدلك قلبها بأطراف أصابعه، أخذتها الدهشة ولم تستطع الرفض، كان ينتهز فرصة غياب النبض ليدوس بأصبعه فوق نهدها، يمرره داخل الشق بين النهدين، كانت هناك طبقة متجمدة من النفط لها رائحة العرق، تململت فيما يشبه الحرج. - كنت أنوي الاستحمام، لكن ... - لا داعي للحرج فأنا لست رجلا غريبا.
كان القمر يطل فوق البركة بضوء شاحب، بقعة مستديرة من لون متهالك البياض فوق مساحة كالحة السواد، والنافذة مصنوعة من ألواح الخشب لها مزلاج عريض، نمت فوقه طحالب النفط فاخضوضرت أطرافه، كانت النافذة واطئة فيها شقوق، تطل من بينها عيون النسوة، ثلاثة أو أربعة يضحكن بصوت مكتوم، واحدة من النسوة تتحدث إلى جارتها في البيت الملاصق، تحكي لها ما يفعله معها زوجها في الفراش، تقطع الحديث بضحكات كالشهقات، ثم تجهش بالبكاء. - عشر سنين مضت على زواجك ولم تحبلي؟! - أمر الله. - بل هي ضرتك الملعونة، سحرت لك. - أهو سحر إذن؟ يا للمصيبة! - أنت أسعد حظا مني، ولك ضرة واحدة وأنا لي ثلاث ضرائر، وما إن أبطل سحر واحدة حتى يأتي سحر الأخرى. - ومع ذلك حبلت، أليس كذلك؟
صوتها يتسرب إليها من وراء الجدار يشبه صوت خالتها، كانت تلف حول رأسها الطرحة السوداء وتخرج، تجوب الأزقة تلم الودع والقواقع، وعظام الموتى من بطن الأرض، تصحنها في الهون ومعها الشبة واللبان الدكر، تشربها على الريق وقبل النوم، تبلل به وسادة زوجها وما بين الفخذين، كان لكل عفريت من الجن حجاب خاص، يكتبه شيخ أعمى في غرفة مظلمة، كان الأعمى أكثر قدرة من المبصر على طرد العفاريت الجان، وكان الشيخ الميت أكثر قدرة من الأعمى بطبيعة الحال، وتدفع المرأة قطعة من الفضة أو فرخة مذبوحة، لم يكن للمرأة أن تحبل دون أن تدفع شيئا.
في نهاية الليل انقطعت أصوات النساء، جاء الصباح بشعاع أحمر يلسع مثل لسان من اللهب. - أرجوك، هل لي في شربة ماء؟
لا بد أنه كان غائبا في النعاس، لم تسمع أي رد، جلبابه ممزق من الصدر، غارق في عرق أسود كالدم المتجمد، ذرات النفط تلتصق بالشعر، وشفتاه مشققتان مثل أرض قحط. - ألم تسمعني؟ قطرة واحدة لو سمحت.
صوتها جاف، وجسدها يرتعد بالحمى، تصعد السخونة من تحت الجلد، تذيب القشرة شيئا فشيئا، انفرجت شفتاها تلهث، ولعقت بطرف لسانها السائل الذائب. - سأعطيك الزجاجة بشرط واحد. - ما هو؟ - أن تكفي تماما عن تلك المؤامرة. - ماذا تعني؟ - ألا تعرفين أنك مراقبة بدقة وحركتك مرصودة. - مرصودة؟ - كل حركة، بل كل خلجة. - خلجة. - نعم، عليك أن تنسى كل شيء عن أمك وخالتك وحتحور وسخمت وجميع النسوة، نعم، جميع النسوة، أتفهمين ذلك؟
هزت رأسها علامة الفهم، لم تكن تفهم شيئا، كانت تريد الزجاجة ولا شيء غيرها، خطا الرجل فوق الأرض نافضا عنه ذرات النفط، قرب عنق الزجاجة من شفتيها، التهمتها بأسنانها تهزها عدة مرات، تتلوى مثل دودة الأرض، كانت الزجاجة جافة بلا قطرة واحدة مقلوبة فوق فمها، قعرها سميك مرفوع إلى السماء، ينفذ منه قرص الشمس مباشرة إلى عينيها، كأنما هو عمود ممدود من نار الآخرة.
طوحت بالزجاجة في عين الشمس، أطرق الرجل رأسه في خزي. - ألم تكن تعرف أنها فارغة؟ - أعرف، لكن ... - إذا افترضنا أن للمرأة روح مثل الرجل ... - أجل. - فلا بد أن هذه الروح تسكن جسدها. - أجل، لكن ... - لكن ماذا؟ - بعد الاحتفال بالعيد ينسون الصغار من أمثالنا ويستولي على نصيبنا الكبار.
كانت تنظر في عينيه، تدرك أنه يغطي بالكلمات على شيء آخر، كان يختفي في الغرفة الخلفية، ويأخذ نصيبها، ثم يخفي الزجاجة في مكان لا تعرفه، أيحاول السيطرة عليها عن طريق العطش؟
صفحة غير معروفة