بالطبع لا يعتبر الهوبيت أنفسهم جنسا شديد البراعة الفنية؛ فعلى الرغم من أن تدخينهم للغليون يوصف من قبلهم بأنه فن - بحسب قول تولكين - وكل الهوبيت يتعلمون فن الطهي؛ يبدو أن معظم حرفية الهوبيت مخصصة للجوانب العملية والراحة وحسب. ولو لم يكن بيلبو قد سافر من الشاير، لكان من المشكوك فيه أن يكون لديه الكثير لقوله عن البراعة الفنية أو الجمال، ربما فيما عدا الإشارة إلى أفضل الطرق لتعبئة الغليون، أو اقتراح أفضل ما يتماشى من أنواع الجعة مع لحم الضأن المشوي. (1) تولكين وحركة الفن من أجل الفن
ولد تولكين، الذي عاش من عام 1892 حتى عام 1973، في نهاية قرن شهد تغيرا ضخما في مفهوم الفن والجمال؛ ففي العصور الوسطى، كان الفن يعمل بمنزلة خادم للكنيسة؛ إذ كان يبين (مجازيا وحرفيا) نص الرؤية المسيحية للعالم. وبحلول القرن التاسع عشر، كانت فكرة أن الفن ينبغي أن يكيف نفسه ليتلاءم مع رسالة الكنيسة، أو أن يعمل في الأساس من أجل تأكيد القيم الأخلاقية والروحانية؛ قد تآكلت وصارت بالية منذ زمن طويل.
من خلال التغيرات التي طرأت قبل قرن على يد إيمانويل كانط (1724-1804)، لم يعد يفترض على نحو واسع أن الفن يستطيع أو ينبغي أن يعمل كأداة للتوجيه أو التحسين الأخلاقي. وفي خلال الفترة التي ولد فيها تولكين تقريبا، صار هناك افتراض واسع النطاق بأن الفن قد وجد في عالم غير مبال، أو ربما معاد للحقيقة والأخلاق. وقد عبر أوسكار وايلد (1854-1900) عن هذا المزاج السائد بشكل جيد حين علق بأن «الفن خارج عن نطاق الأخلاقيات؛ لأن عيونه مركزة على أشياء جميلة وخالدة ودائمة التغير. أما الأخلاق، فلا ينتمي لها سوى العوالم الدنيا والعوالم الأقل عقلانية».
1
غالبا ما يعرف هذا التطور، الذي شارك فيه وايلد وعبر عنه، بحركة «الفن من أجل الفن»؛ فقد تركت الأخلاق والتعليم خلفها مثلما يترك أطفال المدارس كتبهم في حجرة الدراسة حين يذهبون للراحة. لقد تحرر الفن من الاضطرار «لفعل» أي شيء. وفي ذلك كتب جيمس ويستلر (1834-1903)، رسام الأمهات الشهير: «يجب أن يكون الفن مستقلا عن كل الهراء؛ يجب أن يكون قائما بذاته ... ويخاطب الحس الفني للعين أو الأذن، دون أن يخلط هذا بالمشاعر الغريبة عنه كليا؛ مثل: الإخلاص، والشفقة، والحب، والوطنية، وما شابه».
2
واليوم تلقى فكرة تواجد الفن في عالم منعزل عن العوالم الأخرى ذات الأهمية الإنسانية قبولا واسع النطاق في الثقافة الغربية؛ فصارت عبارة «الفن من أجل الفن» تقتبس عادة كرؤية موحدة للإبداع، بل إنها شعار استوديوهات إم جي إم بهوليوود، التي شاركت في إنتاج سلسلة أفلام «الهوبيت».
اتفق تولكين مع حركة الفن من أجل الفن، ولكن لدرجة بسيطة فقط. فمثل ويستلر ووايلد، كان تولكين يؤمن بأن الفن يجب ألا ينظر إليه بشكل أساسي بوصفه شيئا عمليا أو منفعيا. على سبيل المثال، يعبر تولكين عن بغض بالغ لأشكال من الأدب - مثل القصة الرمزية الأخلاقية - تسعى لتلقين الجمهور رسالة ما.
3
وعلى الرغم من أن تولكين كان مسيحيا، فإنه لم يكن يؤمن بأن الفن ينبغي ببساطة أن يكون خادما للكنيسة؛ فقد كان يرى أن الإبداع الفني غاية قيمة في ذاته وليس مجرد وسيلة لغرض أسمى.
صفحة غير معروفة