لم يكن أمام أراجورن سوى القليل من الوقت من أجل تنظيم معركته. وعلى التل وقف مع جاندالف، وهناك رفعت راية الشجرة والنجوم، وعلى التل الآخر على مسافة قريبة للغاية وقف رايتا روهان ودول أمروث، الحصان الأبيض والبجعة الفضية، في هدوء وقنوط. وعلى كل تل تقريبا صنع خاتم مواجه لجميع الطرق، مدجج برمح وسيف. ولكن في المقدمة في اتجاه موردور، حيث سيأتي الهجوم المرير الأول، وقف ابنا إلروند إلى اليسار وبالقرب منهما وقف الدوندين، وإلى اليمين وقف الأمير إمراهيل مع رجال دول أمروث ذوي القامة الطويلة والبشرة الشقراء، وراحوا يحصدون حرس البرج من البشر.
8
إن هذه المجموعة من المحاربين، بأسمائهم المهيبة وزيهم وشاراتهم القتالية، على موعد مع لحظة مجدهم. وحقيقة أن الانتصار يبدو مستحيلا تجعل بطولتهم أكثر تألقا وإشراقا؛ فأراجورن وشعبه سوف يكرسون أنفسهم للموت إن اقتضت الضرورة.
في رواية «الهوبيت»، يبدو أن بيلبو نفسه يحظى بالمجد من خلال القتال باستبسال؛ فترى بيلبو يهاجم العناكب المتوحشة بشجاعة وإقدام، ويتغلب عليها من أجل تحرير أصدقائه، وينجح في تحرير أصدقائه (مرة أخرى) بعد أن يتم أسرهم في ردهات ملك الجن تحت الأرض، ويتصدى لتنين فتاك مهلك، ويستخدم فطنته ومهارته ليتفوق بالحيلة على جولوم الخائن، وفي مخاطرة شخصية كبيرة يجبر ملكا متغطرسا على الموافقة على التنازل عن جزء من إرثه، على الرغم من أن هذا يكلف بيلبو ثروة.
وعلى الرغم من أن وجود كل هذه العناصر الخاصة بالمجد الكلاسيكي في أعمال تولكين الخيالية، فإنه يقدم لنا في الواقع نقدا لهذا التقليد. (2) الجمال أولا! ثم المجد!
كما أشرنا في بداية الفصل، كان أفلاطون متشككا بشأن السعي وراء المجد البطولي لأجل المجد ذاته. وربما كان هذا يعزى جزئيا لتجاربه وخبراته في الحرب البيلوبونسية (431-404ق.م) التي كانت معركة حياة أو موت بين أثينا وأسبرطة. كانت الحرب غير متصورة في وحشيتها، تاركة عشرات الآلاف من القتلى جراء العنف، والمرض، والجوع. وقاد الصراع - الذي لاقى دفاعا في البداية من قبل رجال الدولة الأثينيين باسم السيطرة الإمبريالية والمجد الخالد - إلى إبادة أثينا وانتحار الحضارة اليونانية.
عوضا عن المجد، حض أفلاطون على السعي وراء الجمال، والحقيقة، والخير؛ وهي القيم التي اعتبرها معززة للحياة بطبيعتها ومصدرا للابتكار والإبداع الأمثل. ويذهب أفلاطون إلى أنه من خلال الاستمتاع بالخير، نستطيع بشكل أفضل السعي وراء العدالة. وفي محاورته «المأدبة»، أثنى أفلاطون على قوة المجد، ولكنه أصر على أن الإبداع والإنتاجية الحقيقيين يوجدان في الاستمتاع بالجمال، وقد شبه حب الجمال بعملية التناسل على عكس حب المعركة.
لم يقم سقراط أو أفلاطون بتعليم اللاعنف التام؛ ففي طرحه عن الدولة المثالية في «الجمهورية»، اعترف أفلاطون صراحة بالحاجة إلى نظام عام ودفاع مسلح، غير أن الشيء الغائب هو نوع التباهي بالمجد الذي دفع بأثينا نحو الدخول في صراعها الكارثي مع أسبرطة. بل إن أفلاطون أوصى في نهاية كتاب «الجمهورية» بحياة هادئة مكرسة للفضيلة والحكمة وليس للسعي وراء النفوذ والمجد العسكري.
9
ومثلما رأينا، تحوي رواية «الهوبيت» وأعمال تولكين الخيالية الأخرى مكانا للمجد الكلاسيكي، ولكن المجد الحقيقي جرى تعريفه والتعمق فيه من خلال ربط أفلاطوني (ومسيحي) للمجد بالفضيلة، بما في ذلك فضائل التواضع، والرحمة، والتآلف، والإيثار .
صفحة غير معروفة