148

تاريخ النقد الأدبي عند العرب

الناشر

دار الثقافة

رقم الإصدار

الرابعة

سنة النشر

١٩٨٣

مكان النشر

بيروت - لبنان

تصانيف

عنها ولسانه غير مدرك لها حتى يعتمد دقيق المعاني من فلسفة يونان أو حكمة الهند أو أدب الفرس ويكون أكثر ما يورده منها بألفاظ متعسفة ونسج مضطرب، وإن أتفق في تضاعيف ذلك شيء من صحيح الوصف وسليم النظر - قلنا له: قد جئت بحكمة وفلسفة ومعان لطيفة حسنة فإن شئت دعوناك حكيمًا أو سميناك فيلسوفًا، ولكن لا نسميك شاعرًا ولا ندعوك بليغًا، لأن طريقتك ليست على طريقة العرب ولا على مذهبهم، فإن سميناك بذلك لم نلحقك بدرجة البلغاء ولا المحسنين الفصحاء؟ " (١)؛ فهذا التصوير لا ينطبق على شعر أبي تمام، والمتعسف منه في اللفظ والمعنى لا يشمل إلا أبياتًا معدودة بشهادة الآمدي نفسه، ولو صح أن أبا تمام كان فيلسوفًا أو حكيمًا لما جازت الموازنة بينه وبين البحتري، ولكانت محاولة الآمدي من أساسها منقوضة لأنها مبنية على الموازنة بين شاعر وفيلسوف.
عمود الشعر نظرية خدمة للبحتري وأنصاره فأبعدت الموازنة عن الإنصاف
وليس من شك في أن الآمدي كان يؤثر طريقة البحتري ويميل إليها. ومن اجل ذلك جعلها " عمود الشعر " ونسبها إلى الأوائل وصرح بأنه من هذا الفريق دون مواربة: " والمطبوعون وأهل البلاغة لا يكون الفضل عندهم من جهة استقصاء المعاني والإغراق في الوصف، وغنما يكون الفضل عندهم في الإلمام بالمعاني واخذ العفو منها كما كانت الأوائل تفعل مع جودة السبك وقرب الماتى، والقول في هذا قولهم وإليه أذهب " (٢)، وهذا يستتبع أن نسأل: هل يستطيع الموازنة المنصفة من كان لديه مثل هذا الميل ابتداءً؟ لقد أتهم الآمدي في القديم بأنه تحامل على أبي تمام، قال أبو الفرج منصور بن بشر النصراني الكاتب: " كان الآمدي النحوي صاحب كتاب الموازنة يدعي (هذه) المبالغات على أبي تمام

(١) الموازنة ١: ٤٠١ - ٤٠٢.
(٢) الموازنة ١: ٤٩٦.

1 / 162