160

تاريخ الأدب الأندلسي (عصر سيادة قرطبة)

الناشر

دار الثقافة

الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٩٦٠

مكان النشر

بيروت

تصانيف

ويا نفسي جئتهم من أمام ... وقابلتهم بنسيم احتراق
ويا هم نفسي كن ظلاما ... وقيدهم عن نوى وانطلاق
ويا ليل من بعد ذا إن ظفرت ... بالصبح فاقذف به في وثاق
سيدرون كيف يبينون عني ... إلا على جهة الإستراق فهو يريد من اليوم ان يتمهل فلا يلحق بالظلام سريعا، ويطلب إلى دمع عينه أن يكون بحرا من دم يسد على الراحلين الطريق، والى نفسه ان يكون هبوة نار، والى همه أن يصبح ظلاما يقيدهم عن السفر، والى الليل ان الصبح فلا يريم، عندئذ تتضافر عليهم كل هذه المعوقات، فلا يستطيعون السفر العمد، وإنما قد يفارقون استراقا. والشأن في هذه الإحالة كلها الاستطراف، إلا ان عنصر الإغراق يضيف إلى هذه الأبيات من ناحية الطرافة لينقصها من الناحية المعقولة الداخلة في حدود الإمكان.
واستبقى الرمادي من مذهب الغزال الأثر النواسي في الخمر، وشيئا من السخرية، إلا انه نقل السخرية من حقائق الحياة ومتناقضاتها إلى العبث بالموضوعات الدينية والاجتماعية، ولا ريب في ان فزعه من إراقة الخمور في أيام الحكم يدل على ان شعره كان ينبع من نزعته اللاهية اول الأمر، وأشعاره في الخمر تذكرنا بروح التحدي عند أبي نواس وبإصراره ومجاهرته في شربها، من ذلك قوله (١):
أفي الخمر لامت خلتي مستهامها ... كفرت بكأسي إن أطعت ملامها
لمحمولة في الفلك في جنة المنى ... قد أوحى نوح غرسها وضمامها
فخادعه إبليس عنها لعلمه ... بها فرأى كتمانها واغتنامها
ففاز بثلثيها ونوح بثلثها ... ولولا مضي عنه لم يك رامها
له حظ أنثى وهو حظ مذكر ... قليل لعيني أن أطيل انسجامها فقوله كفرت بكأسي، ونسبته الخمر إلى القدم، والخصومة عليها بين

(١) الشريشي ٢: ٢١ - ٢٢

1 / 164