تاريخ الأدب الأندلسي (عصر الطوائف والمرابطين)
الناشر
دار الثقافة
مكان النشر
بيروت - لبنان
تصانيف
وبين الغناء في الطبقات العليا وفي القصور، فقد كانت البيئة الأرستقراطية لا تزال تعيش على الشعر الفصيح والألحان الموضوعة له، ولم ينل الزجل اعتراف هذه الطبقة رسميا، كما انه لم ينل من جهود المثقفين ما يكفل له التسجيل إلا بعد أن ظهر الموشح نفسه، واصبح مادة غنائية خصبة، وكان ذلك في دور متأخر نسبيا. وليس لنا أن نعجب من ذلك، فان الموشح نفسه قد لقي شيئا من عدم الاعتراف التدويني؟ مؤقتا -، ومن ثم كان قول ابن خلدون مبنيا على هذا المعنى نفسه، وهو أن الموشح وجد القبول " الرسمي " قبل الزجل، ولكنا يجب ان نفرق بين النشأة نفسها وبين وضوح كل فن من الفنين وانهزام روح المحافظة إزاءه.
وإذا كانت الأغنية الشعبية عاملا من عوامل الانفتاح الذهني على هذا الكشف الجديد الذي سمي " الموشح " فيجب ألا نعدها العامل الوحيد في تهيئة ذلك، إذ نعتقد أن هناك عاملين قويين شاركا الأغنية الشعبية في خلق الموشح: أما أحد العاملين فهو التجديد الموسيقي الذي أدخله زرياب؟ ومن بعده تلامذته - في الألحان بالأندلس. فقد ذكرنا في كتاب سابق أن هذا الموسيقار زاد في أوتار العود وترا خامسا " فاكتسب به عودة ألطف معنى وأكمل فائدة " إذ وضعه تحت المثلث وفوق المثنى. ولم يكن هذا هو كل ما قام به من تغير فأنه جعل الغناء منازل، فكان كل من افتتح الغناء يبدأ بالنشيد أول شدوه، بأي نقر كان، ويأتي إثره بالبسيط، ويختم بالمحركات والأهزاج، تبعا لمواسيم زرياب (١) وارى ان المصادر سكتت عن شيء في هذا التطور، وهو ان كل مغن استقل؟ في المجلس الغنائي الواحد - بواحد من هذه الألحان، فواحد يفتتح بالنشيد وثان، أو جوق، يأخذ في البسيط، والثالث؟ أو جماعة
(١) انظر النفح ٤: ١٢٠ - ١٢٤.
1 / 223