190

تاريخ الأدب الأندلسي (عصر الطوائف والمرابطين)

الناشر

دار الثقافة

مكان النشر

بيروت - لبنان

تصانيف

عجيبها ". وتدل هذه القصائد مجتمعة على قيمة اتخاذ وصف الطبيعة " مقدمة " فحسب في القصائد بدلا من الغزل التقليدي، ويبدو ان الأندلسيين أكثروا منها حتى عصر حبيب، وكانوا يجدون التشجيع من الممدوحين أنفسهم، فان حبيبا نفسه أنشد المعتضد قصيدة ضادية يحاكي بها قصيدة للفقيه أبي الحسن بن علي في الموضوع نفسه، فلما سمعه المعتضد أمره ان يحضر أبا بكر بن القوطية صاحب الشرطة، وأبا جعفر ابن الأبار وأبا بكر بن نصر وأمرهم بمعارضتها (١) . وعرف الوزير الكاتب أبو الأصبغ بما حدث فصنع شعرا على الهيئة تلك في معناه وغرضه واتصلت المعارضة من واحد إلى آخر. وهذه " السلاسل " مألوفة في الأدب الأندلسي: قصيدة واحدة تثير عدة معارضات، أو رسالة تثير عدة رسائل، أو كتاب يستدعي كتبا تذيل عليه.
ولم يقتصر هذا الميل الحضري للأزهار على الشعر بل شمل الرسائل النثرية، فكتب أبو حفص ابن برد رسالة إلى أبي الوليد بن جهور يصف فيها خمسة أصناف من النواوير، وغرضه تفضيل الورد بينها. وكانت رسالته تمثل " مجمعا " ضم هذه النواوير وهي بعد الورد: النرجس الأصفر والبنفسج والبهار والخيري النمام. ومن الطريف في هذه الرسالة ان قام كل نور بعد ما سمع كلام الورد فاعترف له بالأفضلية، وأقر على رأسه بالتأخر، ثم اتفقت الأزهار جميعا على ان تكتب له كتابا وتضع عليه توقيعاتها ليحمل عنها إلى الناس في كل مكان، وأدى كل واحد شهادته ووقع تحتها. ولما اطلع حبيب نفسه علة هذه الرسالة أحب ان يحاكيها فجعل المجلس يجمع بين سبعة أنواع من الزهر، وغايته

(١) المصدر نفسه " ٤٢.

1 / 196