الفصل التاسع
عقب أخيليوس
تراكم الهم على صدور الطرواديين، فما منهم إلا محزون أمضه الحزن، أو خائف مزقه الخوف .. ذلك بعد مصرع هكتور البطل. وفي ظلال هذا الحزن المقيم، وهذا الخوف المروع اجتمعوا ليتدبروا أمرهم، ويتشاوروا فيما يجب عليهم أن يفعلوه.
قال أحد مستشاري الملك برياموس: «إنه ليس من الحكمة أن نمضي في القتال قدما، بعد أن سقط هكتور البطل. وما زال أخيليوس العظيم يهددنا بالويل والثبور وعظائم الأمور، فمن الأجدر بنا أن نغادر مدينتنا طروادة، ونسلمها للإغريق، على الرغم مما سنعانيه من أسى ومرارة لفراق وطننا، ومن ذل وانكسار لانسحابنا من المعركة. ولكن الصواب أن نبقي على الأحياء منا، ولا نتيح للإغريق أن يزهقوا أرواحهم.»
لكن الملك برياموس كان على غير هذا الرأي، فقال: «إن واجبنا يحتم علينا أن نتشبث بمدينتنا؛ فلنمكث بها حتى تأتينا النجدة بقيادة صديقنا الملك ميمنون، ملك أثيوبيا، وإني لكبير الأمل في أنه سيكون بيننا في وقت قريب. أما إذا أحدقت بنا الأخطار، قبل أن يدركنا الغوث، فما علينا بأس في أن نموت دفاعا عن ديارنا. إنه من الخير لنا أن نموت كراما أعزاء من أن نعيش جبناء أذلاء.»
رد عليه بوليداماس، العاقل الحكيم، الذي أنهكته الحرب: «إذا كان الملك ميمنون قادما حقا، فإني أثق في قدرته وكفايته، ولكن تساورني بعض الشكوك في قدرته على مواجهة أخيليوس العظيم. ومن ثم، فالرأي عندي - وإن كنا في آخر الليل - أن نرد هيليني للإغريق، ونرد عليهم الكنوز المنهوبة، وبذلك نوقف هذا الصراع الدامي الرهيب، بعد أن قطعنا أسبابه.»
وهدأت نفوس جميع الطرواديين، واطمأنت قلوبهم لهذه الكلمات العاقلة، التي كانوا يعتقدون صوابها، ولا يجرءون على البوح بها في وجه ملكهم برياموس وابنه باريس.
لكن باريس زلزل هذا الهدوء، ونغص عليهم هذه الطمأنينة عندما أطلق صيحة غاضبة منذرة متوعدة: «أي بوليداماس، ما أجبنك في ساحة الوغى! إن نصيحتك هذه هي عين الحماقة. فلتقبع أنت في بيتك ذليلا، أما باقي الطرواديين فسأقودهم إلى حومة القتال، ولسوف نفوز بالنصر المبين.» لكن هذا القول لم يفت في عضد بوليداماس، ولم يزعزع يقينه بمقالته، ومن ثم أردف يقول لباريس: «إن رعونتك وطيشك هما اللذان جلبا علينا ما نحن فيه من بلاء. إن خطتك التي تتصايح بها سوف تعود علينا بالخراب والدمار.»
أفحم باريس، وعجز عن الكلام؛ لأنه يدرك أنه هو سبب ما حل بطروادة من نكبات الحرب وويلاتها. ومع ذلك يكابر ويعاند، ويعميه حرصه على هيليني الفاتنة عما ينتظر مدينته من دمار وفناء. •••
خف ميمنون النبيل لنجدة صديقه برياموس، على الرغم من طول الطريق، وبعد الشقة. وما إن وصل يقود جيشا كثيفا حتى تلقاه الطرواديون بالترحاب.
صفحة غير معروفة