نهاية الطريق «2»
نهاية الطريق «3»
حصاد السنين
حصاد السنين
تأليف
زكي نجيب محمود
مقدمة
أحس الكاتب أنه، وقد بلغ الخامسة والثمانين من عمره، وانتابته عوامل الضعف والمرض، أنه قد اقتربت سيرته الثقافية من ختامها مما أوحى له بأن يكتب هذا الكتاب؛ ليقدم به إلى قارئه صورة للحياة الثقافية كما عاشها أخذا وعطاء، وهي حياة طال أمدها حتى بلغ - عند كتابة هذه السطور - ما يزيد قليلا عن ستين عاما، بدأت قبيل سنة 1930م، وطالت حتى أوشك الزمن على الدخول في سنة 1991م، ولقد حرص الكاتب أشد الحرص على أن يصور حياته العلمية والأدبية خلال هذه الفترة الطويلة، في نزاهة يتجرد بها عن الهوى ما كان ذلك في مستطاع البشر، وسوف يرى القارئ أنه إنما يشهد الحياة الثقافية المصرية العربية في عمومها، منظورا إليها بمنظار مواطن مصري عربي، شاءت له فطرته أن يجعل تحصيل العلم وكسب الثقافة، ثم نشر ذلك العلم فيمن تولى تعليمهم في قاعات الدرس، وكذلك نشر ما قد تشربه من ثقافة فيما كتبه لينشر في جمهور القارئين، حتى بلغت صفحات الكتب التي أخرجها ما يقرب من عشرين ألف صفحة، فيها ما هو علم أكاديمي اقتضته الحياة الجامعية، وما هو أدب خالص اقتضته طبيعته التي تميل به آنا بعد آن إلى تقديم ما يريد تقديمه إلى القارئ، في تشكيل فني يلتزم ما يلزم في عملية الإبداع الأدبي، ثم ما هو أقرب إلى أن يقع بين بين، وذلك حين يعرض أفكارا تمس حياة الناس في الصميم، عرضا لا هو في صرامة البحوث الأكاديمية من جهة، ولا هو في شكل الخيال الأدبي من جهة أخرى، وسيجد القارئ فصول هذا الكتاب في معظمها من هذا الطراز الثالث.
فأول ما يصادفه من الكتاب، عنوان الفصل الأول، وهو «تغريدة البجع» وهو عنوان ينطوي على دلالة غنية بمضموناتها، فأولا هو عنوان يوحي بأن الكاتب حين هم بكتابة هذا الكتاب، كان يضمر في نفسه أنه إنما يكتب آخر ناتج له، ثم يودع القلم، بل وما هو أوسع من هذا القلم وأشمل؛ وذلك لأنه قد عرف عن البجعة أنها وهي تلفظ أواخر أنفاسها، تخرج نغمة أجمل ما تكون النغمات وقعا في آذان البشر، إنها على أرجح الظن تئن أنين الحي وهو على حافة النهاية التي ينتقل بها من الحياة إلى الموت، ولكن أبناء آدم لا يأبهون بآلام البجعة المحتضرة في أنينها، إذا وقع ذلك الأنين في آذانهم وقع الأغرودة تطربه بحلاوة أنغامها، ومن هذا المعنى الذي تحمله تغريدة البجعة في أواخر أنفاسها، أخذ الكاتب عنوان الفصل الأول من هذا الكتاب.
ولقد كان الكاتب، وهو يكتب أول فصول الكتاب الذي اعتزم أن يكون كتابه الأخير، سبقه على آماد السنين نحو خمسين كتابا، يحس فعلا بشيء من حشرجة الأنين يتردد بين جوانحه إذ شاء له ربه أن يقع له في حياته من غدر «الأصدقاء» ما اهتز له كيانه البشري اهتزازا كاد يقتلع شجرة الحياة من جذورها اقتلاعا، ولكن من يدري؟ فرب ضارة نافعة كما يقولون؛ لأن تلك الصدمة الهادمة إن تكن قد تركت وراءها أنين المتألم فهو الأنين الذي ربما كان له عند القارئ نغمة يطرب لها ويفرح.
صفحة غير معروفة