إذا ذهبت إلى مكتبة عامة أو متجر لبيع الكتب بنية العثور على كتاب حول الهندوسية، فإلى أي قسم ستتجه؟ هل إلى قسم «علم الاجتماع» من أجل الكتب التي تتناول النظام الاجتماعي للهندوس؟ أم إلى قسم «الفن والعمارة» حتى تتعرف على المعابد والنقوش واللوحات المدهشة التي تجسد الميثولوجيا الهندوسية؟ أم إلى قسم «اللغات» حيث الكتب التي تتحدث عن اللغة السنسكريتية وغيرها من اللغات الهندية؟ أم إلى قسم «الأنثروبولوجيا» حيث المعلومات عن الهند الريفية ومجتمعها وثقافتها؟ مع أنك سوف تجد في الأغلب مصادر قيمة في هذه الأقسام، فإنك قد تتجه إلى قسم «الأديان»؛ لأن الهندوسية في الدول الغربية تعتبر دينا مثل اليهودية والمسيحية والإسلام والبوذية.
أحد الموضوعات الرئيسية التي سيتم تناولها في هذه المقدمة القصيرة هو مدى صحة هذا الزعم. هل الهندوسية دين كباقي الأديان؟ وما السمات الرئيسية التي تميزها؟ في كل فصل من الفصول التالية، إلى جانب التطرق لموضوع محدد، سوف أتطرق أيضا إلى ما يمكن أن يخبرنا به هذا الموضوع عن طبيعة الهندوسية، التي هي دين الهندوس. على سبيل المثال، في الفصل التالي، سوف نتطرق إلى مدى أهمية مجموعة من النصوص الدينية المعروفة باسم «فيدا» وثقافة البرهميين - طائفة الكهنة - بالنسبة إلى الهندوسية. (ثمة مسرد مصطلحات في نهاية الكتاب يضم معاني أهم المصطلحات الهندوسية.) وفي الفصل قبل الأخير، سوف ننظر في إمكانية ازدهار الهندوسية خارج الهند، وإمكانية اختيار شخص ما ليكون هندوسيا. هل الهندوسية دين يمكن أن يعتنقه أي شخص؟ أم إنه مقصور على هؤلاء الذين ولدوا في عائلات هندوسية؟
في الفصل الأخير، سوف أعود مجددا إلى الحديث عن طبيعة الهندوسية وتعريفها، وعلى وجه التحديد مسألة الوحدة والتنوع. يشير لفظ «الهندوسية» إلى نظام موحد، وبعض الدراسات الحديثة من جانب الهندوس وغير الهندوس يصفها على هذا النحو. رغم ذلك، يقول آخرون إن الهندوسية لها صور متعددة، هناك أوجه تلاق متعددة فيما بينها، غير أنها تختلف في نواح مهمة. فهل يمكننا البت في صحة هذين القولين، وتقديم تعريف جامع مانع للهندوسية؟ حتى الفصل الأخير من الكتاب، سوف أتبع الاستخدام المتعارف عليه وأشير إلى الهندوسية بوجه عام. (1) النظر للهندوسية من زاويتين مختلفتين
عودة إلى النقطة التي يرتكز حولها هذا الفصل، سوف أبدأ بطرح سؤال منهجي ذي صلة. والسؤال المنهجي هو الذي يسأل عن «كيفية» فعل شيء ما؛ في هذه الحالة، كيف يدرس الناس الهندوسية، وسؤالي هو: «هل من يعتنقون الهندوسية يرونها بالطريقة نفسها التي يراها بها الباحثون فيها؟» لتبسيط الأمور، سأشير إلى هاتين المجموعتين باسم «المتعبدين» و«الباحثين»، رغم أنه سيتضح لنا لاحقا أن الصورة أكثر تعقيدا مما يوحي به هذا التمييز.
ما الذي يجعلنا ندرس هاتين الزاويتين المختلفتين الخاصتين بالمتعبدين والباحثين؟ هناك سببان لذلك؛ الأول: أنه كي تختار بين الكتب المتعددة المتاحة في قسم «الأديان» في المكتبة العامة أو متجر بيع الكتب، من المفيد أن تفهم أوجه الاختلاف بين ما يكتبه الباحثون والمتعبدون. فعادة ما يختلف المقصد من وراء الكتابة لدى المجموعتين، ويختلف جمهور القراء أيضا؛ فالباحثون قد يكون مقصدهم الرئيسي التثقيف، أما المتعبدون فيكون مقصدهم الحث على الارتقاء الروحاني. يقف السبب الثاني وراء تأليف كتابنا هذا؛ فمع أن هذا الكتاب مقدمة قصيرة، فإنه ينضم إلى فئة الكتب الخاصة بالباحثين؛ فليس الغرض منه تزكية ممارسات أو أفكار هندوسية، ولا تقديم وجهة نظر هندوسية محددة، بل تعريف القراء المهتمين - هندوسا وغيرهم - ببعض السمات الأساسية للهندوسية.
شكل 1-1: التعرف على الهندوسية من خلال المشاركة. دكتورة أورسولا كينج برفقة أسرتها وأطفال محليين في أحد الطقوس الهندوسية في مدينة ليدز عام 1976.
من بين الكتب البحثية، هناك ما يكتبه الهندوس وغير الهندوس. في الغرب على سبيل المثال، توجد مقدمات للهندوسية كتبها أشخاص درسوا دينهم وكتبوا عنه، أمثال كيه إم سين، وأنانتاناند رامباشان، وأرفيند شارما. وهناك كتب أخرى كتبها أشخاص قضوا سنوات عديدة يدرسون الهندوسية، لكنهم لم يدينوا بها، أمثال كلاوس كلوسترماير وجافين فلود. هل هناك فارق بين ما كتبه الهندوس أمثال سين ورامباشان وشارما وما كتبه غير الهندوس أمثال كلوسترماير وفلود؟ وإلى أي مدى تؤثر قناعات الشخص الدينية على ما يكتبه عن دين ما؟
الواقع أن كل كتاب عن الهندوسية يختلف عن غيره من الكتب حول الموضوع نفسه باختلاف خلفية كاتبه ووجهة نظره، فبعض الكتاب الهندوس قد يكونون أتباعا مخلصين للهندوسية؛ بينما قد يرى آخرون أن الدين لا يشكل أهمية كبرى بالنسبة إليهم. بالمثل، نجد أن الالتزام الديني لدى بعض من غير الهندوس (حتى وإن كان لدين آخر) قد يثري بقوة بحثهم، بينما يظن آخرون أن ترك المعتقدات الدينية الفردية جانبا نقطة انطلاق مهمة. ليس معنى ذلك أن الكتاب يطلعون قراءهم دائما على موقفهم في هذا الصدد. في الماضي، ظن كثير من الباحثين الغربيين أنه من الممكن تقديم رؤية بالغة الدقة والموضوعية عن الهندوسية مثلما يفعل علماء الطبيعة مع ملاحظة البيانات وتسجيلها. واليوم يقر أغلب دارسي الأديان - كما هو الحال مع بعض فروع البحث العلمي الأخرى - أن الاختلافات الفردية تؤثر على البحث والكتابة. فما يختار الباحثون تضمينه داخل كتبهم أو استبعاده منها، والأمثلة التي يطرحونها، وكيفية تنظيمهم للمادة المطروحة؛ كلها قرارات ذاتية من جانبهم.
كيف إذن يمكن أن تختلف روايتي عن الروايات التي يقدمها غيري من كتاب الكتب التقديمية حول الهندوسية؟ لأن هذا الكتاب عبارة عن «مقدمة قصيرة جدا»، فإنني لم أتطرق للكثير من الأمور؛ على سبيل المثال، قررت أن أتطرق للأشكال والصور المعاصرة للهندوسية أكثر من التطرق إلى تاريخ الهندوسية ومعتقداتها وممارساتها الأولى. وبصفتي باحثة، فقد حاولت التأكد من إعطاء النساء الهندوسيات وغيرهن من المجموعات الأقل تمثيلا الاهتمام الكافي. وبصفتي مواطنة بريطانية بيضاء اللون، فإنني أنتسب تاريخيا لمستعمري الهند، ليس في وسعي أن أغير تاريخي، لكنني حاولت أن أفكر تفكيرا نقديا في الأثر الذي تركته بريطانيا على الهندوسية المعاصرة. علاوة على ذلك، فإنني لست هندوسية، بل أنتمي إلى جمعية الأصدقاء الدينية (الكويكرز)، وما سأكتبه هنا لم تؤثر فيه على نحو مقصود هويتي الدينية، ولا يقف وراءه أيضا وجهة نظر هندوسية. ولأنني لا أنتمي إلى الهندوس، فسوف أعرض وجهة نظر مختلفة. لا يمكنني الاعتماد على مصدر معرفة هندوسي داخلي؛ لذا فإنني اعتمدت على الاستماع إلى العديد من وجهات النظر والآراء الهندوسية في فهم هذا الدين بكل تعقيداته. وأتمنى أن يتضح ذلك للقراء فيما سيرد لاحقا في الكتاب.
لكل كاتب وجهة نظره الخاصة، ولكل قارئ أيضا. فمن يختارون قراءة كتاب كهذا على سبيل المثال لا بد أن لديهم بعض الأفكار بالفعل عن الدين بوجه عام، وربما عن الهندوسية على وجه التحديد. بعض القراء سيكون من الهندوس، وبعضهم يتبع دينا آخر أو لا يتبع دينا على الإطلاق. بالمثل، من سيقرأ هذا الكتاب من الطلاب لا بد أن يكون لديه اهتمام بحثي بالهندوسية، بينما هناك طلاب آخرون لن تكون مطلوبة منهم كتابة مقالات عن الهندوسية أو دراستها من منطلق تحليلي، لكنهم يريدون التعرف عليها على نحو أكبر فحسب. أتمنى أن يجد جميع أنواع القراء شيئا مفيدا لهم في هذا الكتاب، حتى ولو كان شيئا يختلفون معه. (2) البحث عن الأصول
صفحة غير معروفة