إذن جاءت الحرية أخيرا في يوم مرتبط بفخر للإمبراطورية، وليس المشاعر القومية. وفي نيودلهي - عاصمة الحكم البريطاني والهند الحرة - بدأت المراسم قبيل منتصف الليل؛ فعلى ما يبدو، كان المنجمون قد أعلنوا أن يوم 15 أغسطس يوم مشئوم؛ لذا تقرر بدء مراسم الاحتفال يوم 14 بعقد جلسة خاصة للجمعية التأسيسية، وهي هيئة تمثيلية من هنود عكفوا على وضع دستور جديد.
أقيمت المراسم في القاعة ذات القبة العالية لما كان يوما المجلس التشريعي للراج البريطاني. أنيرت القاعة بأضواء ساطعة وازدانت بالأعلام. بعض تلك الأعلام وضع في إطارات صور كانت تحوي بورتريهات نواب الملك البريطانيين في الهند حتى أسبوع مضى. بدأت الفعاليات الساعة 11 مساء بترديد النشيد الوطني «فاندي ماتارام» (أيتها الأم، لك أنحني )، والوقوف دقيقتين حدادا على أرواح من «فارقوا الحياة أثناء المعركة من أجل الحرية في الهند وسائر الأنحاء» وانتهت المراسم بتقديم العلم الوطني من قبل نساء الهند.
وفيما بين النشيد وتقديم العلم ألقيت الخطب. كان ثمة ثلاثة متحدثين رئيسيين تلك الليلة: الأول كان تشودري خليق الزمان، الذي اختير ليمثل مسلمي الهند. وقد أعلن حسب الأصول ولاء الأقلية للأرض التي تحررت حديثا. والثاني كان الفيلسوف سارفبالي رادها كريشنان، الذي اختير لقدراته الخطابية وعمله في التوفيق بين الشرق والغرب. وقد أثنى على «الحصافة السياسية والشجاعة» اللتين أبداهما البريطانيون باختيارهم الرحيل عن الهند، بينما بقي الهولنديون في إندونيسيا، ورفض الفرنسيون مغادرة الهند الصينية.
4
إلا أن نجم الحفل كان هو أول رئيس وزراء للهند؛ جواهر لال نهرو؛ فقد كان خطابه زاخرا بالمشاعر والبلاغة، وكثيرا ما استشهد به منذئذ. قال نهرو: «عندما تدق عقارب الساعة لتعلن منتصف الليل، عندما ينام العالم، ستستيقظ الهند على الحياة والحرية.»
5
وأضاف أن تلك «لحظة لا يشهدها التاريخ إلا فيما ندر، عندما نخرج من عباءة القديم إلى الحديث، وعندما تنتهي حقبة، وعندما تبوح روح أمة طال قهرها بما يجيش في صدرها».
قيلت تلك الكلمات داخل مقر المجلس ذي الأعمدة. وفي الشوارع بالخارج، مثلما قال صحفي أمريكي:
ساد الهرج والمرج، فراح الهندوس والمسلمون والسيخ يحتفلون معا في بهجة ... وكان المكان أشبه بميدان التايمز ليلة رأس السنة. كانت الحشود تريد نهرو دون غيره؛ فحتى قبل الموعد المنتظر لظهوره، اخترقت حشود مندفعة من آلاف البشر صفوف الشرطة وتدفقت في اتجاه أبواب مبنى المجلس. في النهاية، أغلقت الأبواب الثقيلة منعا لدخول أمواج البشر الساعية - على الأرجح - للحصول على تذكارات معه. أما نهرو - الذي لاحت أمارات السعادة على وجهه - فهرب من مخرج آخر، وبعد برهة خرج بقيتنا.
لا يكتمل حدث على أي قدر من الأهمية في الهند دون وقوع خطأ. وفي تلك الحالة، كان الخطأ طفيفا نسبيا؛ فعندما ذهب جواهر لال نهرو - بعد جلسة منتصف الليل في مقر الجمعية التأسيسية - لتسليم قائمة أعضاء مجلس الوزراء إلى الحاكم العام، سلمه مظروفا فارغا، إلا أنه عندما حان وقت مراسم حلف اليمين كان قد أمكن العثور على الورقة المفقودة. إلى جانب رئيس الوزراء نهرو، تضمنت تلك الورقة أسماء ثلاثة عشر وزيرا آخر، منهم رجلا الحركة القومية العتيدين: فالابهاي باتيل ومولانا أبو الكلام آزاد، إضافة إلى أربعة أعضاء أصغر سنا في حزب المؤتمر الوطني.
صفحة غير معروفة