على أحد من الناس، أريد أن يكون معي، فقيل لي: غلام صغير في حر مثل هذا تخرجه معك؟ فقلت: والله لا يفارقني حيث ما توجهت أبدا فإني لاوطئ له الرحل، فذهبت فحشوت له حشية (1) كساء (2) وكتانا.
وكنا ركبانا (3) كثيرا، فكان والله البعير الذي عليه محمد صلى الله عليه وآله أمامي لا يفارقني فكان يسبق الركب كلهم، فكان إذا اشتد الحر جاءت سحابة بيضاء مثل قطعة ثلج فتسلم عليه، فتقف على رأسه ولا تفارقه، وكانت ربما أمطرت علينا السحابة بأنواع الفواكه وهي تسير معنا، وضاق الماء بنا في طريقنا حتى كنا لا نصيب قربة (4) إلا بدينارين، وكنا حيث ما نزلنا تمتلئ الحياض، ويكثر الماء، وتخضر الأرض.
فكنا في كل خصب وطيب من الخير، وكان معنا قوم قد وقفت جمالهم فمشى إليها رسول الله صلى الله عليه وآله فمسح يده عليها فسارت، فلما قربنا من بصرى الشام، إذا نحن بصومعة قد أقبلت تمشي كما تمشي الدابة السريعة حتى قربت منا ووقفت، وإذا فيها راهب، وكانت السحابة لا تفارق رسول الله صلى الله عليه وآله ساعة واحدة، وكان الراهب لا يكلم الناس ولا يدري ما الركب (5) وما فيه من التجارة.
فلما نظر إلى النبي صلى الله عليه وآله عرفه، فسمعته يقول له: إن كان أحد فأنت أنت، قال: فنزلنا تحت شجرة عظيمة قريبة من الراهب، قليلة الأغصان ليس لها حمل، وكانت الركبان تنزل تحتها، فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وآله اهتزت الشجرة وألقت أغصانها على رسول الله صلى الله عليه وآله وحملت من ثلاثة أنواع من الفاكهة: فاكهتان للصيف، وفاكهة
صفحة ٤٢