إلى أسماع الملائكة الصغار،
مثل هذا التناغم تعرفه الأرواح الخالدة،
فإن أطبقت عليها أجسادنا الفانية الغليظة المخلوقة من طين،
سلبتنا القدرة على سماعه.
في حقيقة الأمر، صاغ لورنزو الفكرة بشكل يوحي بأنه تفوق على الفيثاغوريين. ويبدو أن المعتقد الأصلي كان يقول إن سبب الأصوات التي تطلقها الأجرام السماوية يرجع إلى انطلاقها بعنف في الفضاء بسرعات مختلفة، وإن النسب بين تلك السرعات المختلفة هي النسب الصحيحة لضمان تناغم تلك الأصوات وإننا لا نلاحظ تلك الموسيقى لأننا سمعناها منذ لحظة ولادتنا حتى اعتدنا عليها. ويصف أرسطو الفكرة في مقدمة كتابه (رغم عدم اقتناعه بها) قائلا: «إن ما يحدث للناس هو ما حدث من قبل للنحاسين الذين اعتادوا على الضوضاء الصادرة من ورشة الحداد، حتى إنها لم تعد تمثل بالنسبة لهم أي اختلاف.» ورغم وجود معتقد فيثاغوري يؤكد أن فيثاغورس نفسه كان بإمكانه سماع التناغم السماوي لأنه كان في حقيقة الأمر إلها وليس إنسانا، فإنه لا يوجد الكثير من الأدلة قبل شكسبير على حقيقة أننا لا نستطيع سماع تلك الأصوات لأننا بشر. ورغم ذلك تتسم فكرة شكسبير نوعا ما بالطابع الفيثاغوري أكثر من الفيثاغوريين أنفسهم، فنظرية احتباس الروح مؤقتا في «ثوب بال قذر» طوال الحياة الفانية مما يبعدها عن الإدراك الكامل للنظام والجمال المتناغمين في الكون؛ إنما هي فكرة أورفية خالصة، وكان فيثاغورس سيعجب بها ولكن يبدو أنه لم يفكر قط في تطبيق تلك الفكرة على مسألة: «لم لا يستطيع الإنسان سماع التناغم السماوي؟»
أما موقف أرسطو من هذا الموضوع فقد كان أقل من الناحية التصويرية حيث قال:
رغم عذوبة تلك النظرية وشاعريتها فلا يمكن أن تكون تفسيرا واقعيا للحقائق ... فالضوضاء الشديدة كما نعلم تحطم الأجسام الصلبة حتى للكائنات غير الحية ... ولكن إذا كانت الأجسام المتحركة شديدة الضخامة والصوت الذي ينفذ من خلالها إلينا متناسبا مع حجمها؛ فسوف يصل إلينا هذا الصوت بأضعاف شدة صوت الرعد، وسوف تكون قوة حركته هائلة. وفي حقيقة الأمر يكمن السبب وراء عدم سماعنا هذا الصوت وعدم تأثر أجسادنا بتلك القوة العنيفة في أمر بسيط جدا ألا وهو أنه لا وجود لهذه الضوضاء من الأساس.
ولكن بالنسبة للفيثاغوريين، كانت تلك النظرية أروع من ألا تعتبر حقيقية، فقد كانت تربط بين ثلاثة أمور يعد الربط بينها هو جوهر الفلسفة الفيثاغورية وهي نظام الطبيعة (متمثلا في الحركات المنتظمة للأجرام السماوية) وجمالها (متمثلا في التناغم والتناسق الناتج عن تلك الحركات) وانتشار الأرقام (متمثلا في النسب التي توضح ذلك التناسق).
وكما عانت تلك النظرية من حيرة افتراض وجود صوت لم يسمعه أحد من قبل، اعتمدت المعتقدات الفلكية الأخرى للفيثاغوريين على أشياء خفية تثير الشك في وجودها. وينطبق ذلك على الأقل على آخر النظريات الفلكية للفيثاغوريين وأشدها تأثيرا والتي وضعها كتاب القرن الخامس قبل الميلاد. وتنص هذه النظريات على أن الأرض والأجرام السماوية كافة تدور حول نار مركزية غير مرئية أو «موقد مركزي» كذلك الموجود في منتصف المنزل، وأن ثمة «أرضا مضادة» غير مرئية أيضا تدور في مدار بين الأرض والنار المركزية. وقيل إن الفيثاغوريين فسروا حقيقة أننا لا نرى أيا من تلك الأشياء بأننا نعيش على جانب من الأرض بعيد عنها دائما.
تتمثل أهم الحقائق بشأن تلك النظرية في أنها أزاحت الأرض عن موضعها كمركز للكون، وجعلتها تدور حول النار المركزية مثلها كمثل الأجرام السماوية الأخرى. يبدو أن تلك الفكرة المبتكرة لا علاقة لها بالأجزاء الأخرى من الفكر الفيثاغوري على الإطلاق، ولكنها ليست أمرا تافها. وفي إهدائه لكتاب «عن ثورات الأجرام السماوية» الذي نشر عام 1543م يقول كوبرنيكوس إن التفكير في هذا النظام القديم هو ما شجعه على بحث الافتراض غير التقليدي في ذلك الوقت بأن الأرض تدور حول الشمس ولا تقبع في مركز الكون (وهو المعتقد السائد لدى الجميع في العصور الوسطى) فقال في ذلك: «وانطلاقا من تلك النقطة بدأت أفكر في حركة الأرض .» وهكذا كانت الفيثاغورية نقطة الانطلاق لعلم الفلك الحديث، حتى وإن كان ذلك محض مصادفة.
صفحة غير معروفة