حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
تصانيف
Crito ، وهو أن يذبح ديكا كقربان لأسقلبيوس
Asclepius
وكأن الموت، أي تحرر النفس من الجسد، أشبه بالشقاء من المرض.
10
لقد ناقشنا من قبل النقد الذي وجهه بارمنيدس، في المحاورة التي تحمل اسمه إلى نظرية سقراط في المثل. أما في «تيتاتوس»، التي يبدو أنها كتبت في نفس وقت كتابة «بارمنيدس»، فإننا نبتعد بصورة قاطعة عن نظريات سقراط ، وتبدأ آراء أفلاطون الخاصة في التشكل. ولنذكر هنا أن المعرفة في رأي سقراط هي معرفة بالصور أو المثل، على حين أن الحواس لا تنتج إلا ظنا، هذا الرأي يكشف على نحو صحيح عن الفرق بين المعرفة الرياضية والتجربة الحسية، ولكنه لا ينجح أبدا بوصفه نظرية عامة في المعرفة، بل إن محاورة «بارمنيدس» تثبت أنه عاجز عن النجاح، ولذلك تبذل في «تيتاتوس» محاولة جديدة للتخلص منه المشكلة.
يظل سقراط في هذه المحاورة هو الشخصية الرئيسية، ولما كانت المحاورة تتضمن نقدا لنظرية المعرفة التي تقول بها «الجمهورية»، فيبدو أن من المعقول أن يكون سقراط ذاته هو الذي يناقشها، ومع ذلك فإن وجهة نظر سقراط لم تعد هي السائدة؛ ففي المحاورات المتأخرة التي وصل فيها سقراط إلى آراء ناضجة خاصة به أصبح يستخدم طريقة إدخال شخص غريب ليعرض نظرياته، بينما تتوارى شخصية سقراط.
كان تيتاتوس، الذي تحمل المحاورة اسمه، رياضيا مشهورا تفوق في الحساب والهندسة معا، واخترع طريقة عامة لحساب الجذور الرباعية الصماء، وأكمل نظرية الأجسام الصلبة المنتظمة، وفي المحاورة نراه صبيا لامعا قبل وقت قصير من محاكمة سقراط، والمحاورة كلها مهداة إلى ذكرى تيتاتوس الذي مات متأثرا بجراحه ومرضه بعد معركة كورنثة عام 369م.
تبدأ المحاورة بمحادثة مرحة تفضي إلى السؤال عن ماهية المعرفة، وفي البدء يرتكب تيتاتوس الخطأ المألوف، وهو تقديم أمثلة بدلا من تقديم تعريف، ولكنه يدرك الخطأ بسرعة وينتقل إلى إعطاء أول تعريف. فالمعرفة كما يقول هي إدراك حسي (والكلمة اليونانية التي يستخدمها هي
aesthesis ، وتعبر عن الإدراك بوجه عام، ومنها جاءت الكلمة الحديثة المعبرة عن التخدير
anaesthetic
صفحة غير معروفة