الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة
رقم الإصدار
الثالثة
سنة النشر
1981 م
ومنها الحقد وهو كيفية نفسانية لا يوجد الا عند غضب ثابت وان لا يكون الانتقام في غاية السهولة ولا في غاية العسر اما ان الغضب يجب ان يكون ثابتا فلانه لو كان سريع الزوال لم يتقرر صوره المؤذي في الخيال فلا يجتذب النفس إلى طلب الانتقام واما انه يجب ان لا يكون الانتقام في غاية السهولة فلوجهين أحدهما ان الانتقام إذا كان سهلا اشتغلت النفس بحركة الانتقام واشتغال النفس بالقوة المحركة يمنعها من الاشتغال بانحفاظ صوره أخرى.
وثانيهما ان الشوق إلى الانتقام إذا اشتد ولم يكن منه خوف بلغ تأكده وسهولة حصوله ان صار عند الخيال كالحاصل والحاصل لا يطلب حصوله فلا جرم لا يبقى الشوق إلى تحصيله ولذلك فان الانتقام من الضعفاء لما كان سهلا سقط التشوق إليه والدليل على أن حال الخيال في الرغبة والرهبة مبنى على المحاكيات لا على الحقائق كما ينفر النفس عن العسل إذا شبه بمره مقيئه وعن سائر المطاعم والمشارب إذا كانت صورها شبيهه بصور أجسام مستقذرة وكذلك الشئ الذي يسهل حصوله نزل عند الخيال منزله الحاصل فلا يبقى شوق إلى تحصيله واما انه يجب ان لا يكون الانتقام في غاية العسر بل يكون في محل الطبع فلان المؤذي إذا كان عظيما مثل الملوك فان الياس عن الانتقام منه والخوف يمنع ثبات صوره الشوق إلى الانتقام في النفس فثبت بهذا ان الحقد انما يوجد عند وجود غضب ثابت متوسط بين الشدة والفتور فصل [12] في أسباب الفرح والغم اعلم أن الله سبحانه خلق بقدرته جرما لطيفا روحانيا قبل هذه الأجسام الكثيفة الظلمانية وهو على طبقات متفاوتة في اللطافة كطبقات السماوات وهو المسمى بالروح النفساني والحيواني والطبيعي بحسب درجاته الثلاث في اللطافة وجعله للطافته وتوسطه بين العقول والأجسام المادية مطية للقوى النفسانية تسرى بها في الأعضاء الجسدانية
صفحة ١٥١