من ذلك ما توصلت إلى جمعه من حكايات، ومنه أن فلاحا أجيرا ثقل عليه الجوع، فذهب لزراعة أرض مالك، وافقه وأعطاه أردبين من القمح ليبذرهما، فأكلهما هو وأولاده، وبذر بدلا منهما أردبين من الرمل، وما إن ذهبا هو ومالك الأرض ليريا المحصول حتى وجد الفلاح أن ما بذره رملا طرحت فيه البركة فأنبت قمحا مزهرا.
أما عن أجير آخر، فما إن يحين أوان الكيل للمحصول لأخذ حصته من المالك، حتى يصل كيله للغلة إلى 8 زكائب بدلا من 12، ومرجوع الفرق هنا إلى أن الأجير الزارع مبروك كما تكشف الحكاية.
فترد تنويعات حكايات بسطاء الناس المبروكين بكثرة، وكذا الزوجات والأطفال - الموعودين القدريين - كما قد تختص بها - أي البركة - بعض الحيوانات والطيور، من ماعز ودجاجات تبيض ذهبا وجمال وأبقار. من ذلك أن رجلا اشترى بقرة من السوق، وفي البيت حين أقدموا على حلبها اكتشفوا أن لها ثديا واحدا بدلا من أربعة كما هي العادة في حالة الأبقار السوية، لكن ولأن زوجة الشاري بيدها البركة، حلبت البقرة بأثدائها الأربعة.
كذلك فقد نصل بسلطة البركة داخل عينات هذه الحكايات من خرافية وشعبية، إلى حد أن الأولياء في مقدورهم إحياء الأطفال الذبيحة والمحترقة بالبركة لا غير.
وعادة ما تلازم الثنائية مثل هذه الحكايات، فحيث تلازم البركة الشخص الصالح ممثلة في فتح مغارة، أو كنز، أو إتيان أفعال صغيرة كالأكل والشرب، تصل الشخصية إلى مبتغاها، بينما تخفق نقيضتها الطالحة أو الشريرة.
وفي حكاية مصرية من هذا النوع، تتفتح الكنوز للأخ الذي يندس في ذكر للأولياء، منشدا: «الله حي، اللي راح أحسن من اللي جي» كمقولة سلفية، بينما يخفق الأخ الطالح المستقبلي الذي يقلده مرددا: «الله حي، اللي جي أحسن من اللي راح».
فكما أوضحنا فهناك وثاق جوهري بين أفكار البركة وميكنزمات العقل الجبري الأسطوري القدري العربي بخاصة، والسامي بعامة، واستنادا إلى مقولة دين لاين غير المقننة كما ينبغي، عن خاصية تراث الحكايات الفولكلورية العربية، من خلال ألف ليلة وليلة، مشيرا إلى أن «الحكايات العربية لا تعرف في النهاية سوى إله واحد هو الله»، وهذا الإله ليس له سوى رسول واحد هو محمد، وهذا الرسول لم ينزل عليه سوى كتاب واحد هو القرآن، ولا يعترف هذا الكتاب سوى بفكرة واحدة هي الإيمان بالقضاء والقدر، وفي هذا الإيمان بالقضاء والقدر - الذي يمثل الخضوع المطلق لله - قوة صلبة، كما أنه يؤدي بصفة خاصة في مجموعة سلسلة الحكايات الخرافية النجيبة إلى معرفة عقيدية خالصة بالطبائع الغريبة للأشياء.
ولقد ساق هذا الباحث الألماني رأيه هذا في مواجهة، أو هي مناظرة بين التراثين الآري الهندي الفارسي المنفتح، مع متاخمه - ولنقل: مزاوجه - التراث العربي السامي القبلي المنغلق، المعادي في كل حالاته للحتميات التقنية الحياتية.
ولعلها حالة، بالمعنى الوبائي، تشكل جذبا قويا وميسرا للقوى الرجعية الفاشية الإمبريالية في مداها الأخير.
فكيف يمكن أن تتلاءم وتستقيم مفاهيم البركة الشعائرية أو الطقسية مع الاحتياجات والحتميات العلمية التقنية بجفافها الرياضي المعهود.
صفحة غير معروفة