أما العبد المصاحب للحبيبة - النيتو - فإنه يتطلب من الحبيب «قنطارا من الذهب مهرا لها».
وفي نماذج سودانية أخرى، عادة ما يضطلع العبد بدور الراعي المكلف من سيده بذبح الابنة، أو إطلاقها لوحوش الجبال أو البرية، كما نلمسه في النماذج الهلينية والإيجية والفينيقية.
ففي حكاية «فاطمة البريئة» يصطحب العبد فاطمة - التي كادت لها زوجة أخيها واتهمتها بأنها حملت سفاحا - لكي يذبحها العبد ويملأ القدر من دمها ويسد فوهته بأصبعه كما أمره سيده.
لكن العبد يتركها إلى أن تلد عجلا، بما يشير من جانب إلى أن ثمة علاقة حيوانية أو بهيمية بين فاطمة والعجل، ومن جانب ثان إلى ملامح العلاقات العبيدية التي عادة ما تستبدل بالخدم - السخرة - في النماذج السورية والمصرية.
أما في حالة تبدي العبد في النماذج المصرية، فهو عادة شرير منازع للبطل كما في «دبايح المحرقة»؛ حيث يسرق العبد ابن سيده الموعود الذي تنبأت له جنيات البحر بأنه سيكون «كامل العقل وكل ما يطلب ينول»، ويمضي العبد يأخذ مكان سيده إلى أن يتزوج بعروسته ابنة الملك التي تنقذ حبيبها في النهاية، حيث ينقلب العبد إلى بغل.
فملامح العبيد في الحكايات المصرية تتبدى شريرة، بما يشير إلى أنهم أسرى أكثر منهم عبيدا، «فلم يثبت وجود العبودية في السجل الأركيولوجي لمصر فيما قبل التاريخ، وحتى في العصور التاريخية المبكرة، رغم استخدام الأسرى كعبيد» كما يشير جوردون تشايلد.
أما الاستثناء الوحيد للبطل العبد الصالح، فيتبدى في الصراع بين الفراعين، وليس الملوك، كما في حالة موسى والعبد الذي كان يقهره سيده الفرعون، بعد أن حبسه في طاحون أو هودية إلى أن حقق العبد انتصاره الأخير بأن أخذ مكان الملك الفرعون الظالم.
وهي خرافة كما يتضح من شخصياتها وجزئياتها وما داخلها من مؤثرات عبرية سامية، من ذلك شخصية موسى كبطل شعبي، وتوحد العبد بشمشون، والأسر داخل الطاحونة، وهو ما سنتعرض له في الفابيولات الموسوية.
مع الأخذ في الاعتبار أن غياب العبيدية من البنية الطبقية الجوهرية للمجتمع المصري منذ عصوره المبكرة، لا يعني استبعاد العلاقات والتركيبات العبودية؛ ذلك أن فلولها موجودة منذ أقدم العصور ممثلة في الأسرى والنوبيين، حتى أسرة محمد علي، سوى أنها غير مؤثرة في البنية الاقتصادية المصرية بالقدر الذي تشكله مثلا في بقية الأجزاء والكيانات والحضارات العربية، خاصة الجزيرة العربية وما بين الرافدين والسودان، وهو ما تعكسه حكاياتها.
يضاف إلى هذا أن بنية المجتمع المصري تشير بوضوح - فيما يعكسه فولكلوره وحكاياته هذه المنشورة - إلى ما هو أفدح من العبودية، وهو نظام السخرة الذي عبرت عنه قوة العمل المعجزة التي أقامت «حضارة السخرة» الحجرية الإنشائية، من أهرامات ومعابد ومقابر على طول وادي النيل؛ فهي قوة عمل جماعي تقودها أسواط المشرفين، وتستخدم في قطع الأحجار الجلمودية الجرانيتية ونقلها من أقصى مصر العليا إلى الوسطى؛ الجيزة وأهناسيا والفيوم، بل وحتى فاروس أو الإسكندرية القديمة، أي بدءا من أسوان حتى الإسكندرية.
صفحة غير معروفة