أسرة رضوان أفندي تتكون منه ومن حرمه ومن صبي وصبية، الأم تشغف بالصبي، على حين يشغف الأب بالصبية، يناهز الأخوان البلوغ، فيمارس الأخ قوته في معاملة أخته باسم الغيرة والرجولة، حتى تضيق به وبالحياة فيغضب الأب لها، وتسوء العلاقات بينه وبين ابنه، أو على قول أمي: سكن الشيطان بينهما!
يتطور النزاع إلى خصام أغبر، تأديب من ناحية الأب بلا رحمة، وتمرد من ناحية الابن بلا حذر، حتى تفصل بينهما الكراهية العمياء، فيتمنى كل للآخر الهلاك والفناء جهرا وبلا تحفظ.
وفي ختام المرحلة الثانوية يمرض الشاب بالسل، ثم يفارق الحياة عقب اكتشاف المرض بستة أشهر، موت قاس مطوي على المكر والخديعة والسخرية، فانهارت الأم وتلاشت آمالها في الحياة وزلزل الأب زلزال الخوف والندم، ويقول رضوان لأبي: إنها عملية نشل، والخجل يمنعني من مواجهة أمه.
وبعد مرور عام واحد لوفاة الابن تمرض أخته بنفس المرض.
وذات ليلة يجيئنا رضوان أفندي وهو يجري حافيا من أقصى الحارة، مشعث الشعر دامي العينين فتهب الأسرة نحوه متسائلة وهي على يقين مما تتساءل عنه، يقول الرجل وهو يلهث ويطالعهم بعينين انطفأ فيهما نور الحياة: انتهى كل شيء!
يصفي الرجل بعد ذلك تجارته، يهجر بيته إلى حوش القرافة، ويقيم هناك على مقربة من قبر الفقيدين، وتصر حياته على الامتداد حتى يوافيه الأجل.
أما الأم فهي تواظب على زيارتنا، وأراها وأتصل بها وأنا صغير وهي عجوز، يبدو أنها لا تذكر الماضي، وتحب التسلية باستقراء الكوتشينة عن البخت، أتذكر جلستها وراء الأوراق المفندة وتكومي أمامها في تشوف، وهي تشير إلى صورة وتقول: في سكتك واحدة ليست من دمك.
وتبتسم كثيرا فأقول لأمي: تيزة وليدة خفيفة وتحب الضحك.
فتتمتم أمي: ربنا معها ومع كل جريح.
الحكاية رقم «36»
صفحة غير معروفة