ويقترب الشيخ منه في مجلسه في آخر الحجرة، فيهوله منظر وجهه، فيتوقف متسائلا: ماذا بك؟ .. لماذا تبكي؟
عند ذاك يتكلم عنه كثيرون فيسمع الشيخ ويتعجب ويقول: أعوذ بالله .. يا أولاد الأبالسة، كلكم مجرم وابن مجرم.
ويذهب بإبراهيم إلى الخارج ليسعف في حجرة الطبيب .. ولكن إبراهيم لا يكف أبدا عن التهريج والتحدي!
الحكاية رقم «22»
هاشم زايد يجلس إلى جانبي على قمطر واحد.
طويل القامة، مفتول العضلات، ولكنه وديع خجول، وطيب وحسن السلوك، أمه أرملة غنية تملك بيوت زقاق برمته، وشريكة أكبر عطار في الحارة، لذلك نخصه بنظرة تجمع بين الإعجاب والحسد، تتهادى إليه نكات إبراهيم توفيق من وراء، فلا يملك إلا أن يضحك، فيراه المدرس دون الفاعل الحقيقي فينال جزاءه صفعة أو لكمة أو ركلة باستسلام التلميذ المؤدب.
ويفشل هاشم في المدرسة فيتركها، وتموت أمه فيصير من أكبر أعيان الحارة في لحظة واحدة. وتفرق بيننا السبل، أراه أحيانا مستقلا الكارتة أو جالسا في ملابسه البلدية وسط هالة من المريدين، إنه يتحول إلى شخصية غريبة فأتجنب حتى مصافحته، إنه يتكبر ويتعالى ويستثمر قوته في العدوان وفرض إرادته على العباد، كيف يتحول الصبي الخجول الطيب إلى وحش شرس؟ إني أتفكر وأتخيل دون جدوى!
لا يمر يوم في حياته بلا معركة، اللكمة عنده أسرع من الكلمة، والنبوت مفضل على اللكمة، ويحل بالمكان فيتجنبه الناس كأنه وباء!
لو امتد زمن الفتوات إلى زمانه لفرض نفسه فتوة، وهو يزعج القسم كما يزعج الحارة، ويبيت أياما بسجن النقطة، ولكنه يرشو المخبرين وشيخ الحارة.
تحف به دائما بطانة ولكن لا صديق له، ولم يتزوج رغم ثرائه، ولا يعرف عنه أي ولع بالنساء. وعلاقته بذكرى أمه مثيرة محيرة، يتذكرها أحيانا بحزن عميق ويتنزل على روحها الرحمات، وأحيانا ينتقدها بمرارة وسخرية، يقول: كانت بخيلة شحيحة، تهمل نفسها لحد القذارة، وتعامل الخدم بقسوة جنونية.
صفحة غير معروفة