وذات يوم يظهر في الحارة بجلباب أبيض كالحليب وطاقية مزركشة ومركوب أحمر، وكلما التقى بصاحب عانقه أو بذي مقام قبل يده، وقد أضرب عن العمل، ولم ينطق في ذلك اليوم إلا بجملة واحدة قال: اقتربت الساعة.
ويختفي ساعة ثم يلوح فوق سطح القبو وهو يستقبل الحارة بوجهه صامتا، ويتعجب الناس ويتجمهرون عند القبو، كيف صعد عبدون إلى سطح القبو؟ ماذا يفعل في مرتع الثعابين ووكر العفاريت؟
ينادونه فلا يرد.
ثم يثب من أعلى السطح فيتهاوى حتى يرتطم بعنف بأرض الحارة.
وأقول لنفسي كلما تذكرت مصرع عبدون اللاله: أن أعرف لماذا أحيا أسهل كثيرا من أن أعرف لماذا عبدون انتحر!
الحكاية رقم «69»
نادرا ما يخرج إلى الحارة، وإذ يخرج لحاجة يمضي مهرولا، في عينيه حذر وتوجس، في أذنيه صمم يغلقهما دون اللعن ويفتحهما لما ينتفع به، لا يخترق القبو، لا يزور المقابر، يعيش وحيدا في بدروم، لم يتزوج، لم يذعن لنزوة، يقرض النقود بالربا، يدعى أبو المكارم.
ويلعنه الناس ولكنهم يقصدونه عند الضرورة.
وبلغ السبعين من العمر، يتجمع لديه مال وفير، ثم يكف عن العمل.
يتغير حاله، تظهر عليه أعراض غريبة، يرى من نافذة البدروم وهو متربع على الأرض مستقبلا الجدار بوجهه، تمضي الساعات وهو لا يتحرك.
صفحة غير معروفة