قال عصفور آخر: «صوصو، وأنا أستطيع ذلك، وأكثر كثيرا من ذلك.» ثم قفز إلى داخل الحجرة.
تبعه الأول، وتشجع الثالث حين رأى أنه لا أحد هناك، وطار عبر الحجرة مباشرة، قائلا: «إما أن تتخطى كل الحدود، أو لا تغامر على الإطلاق. هذا المكان رائع، أعتقد أنه عش إنسان؛ انظروا! ما هذا يا ترى؟»
كان أمام العصافير مباشرة أطلال الكوخ المحترق؛ وقد تألقت فوقها الورود، فيما انعكست صورتها على المياه تحتها، واستندت العوارض السوداء المتفحمة إلى المدخنة المتداعية. كيف يمكن أن يحدث هذا؟ كيف صار الكوخ والورود في إحدى حجرات منزل السيد النبيل؟ ثم حاولت العصافير الطيران فوق الورود والمدخنة لكنها اصطدمت بجدار مصمت. لقد كان لوحة، لوحة كبيرة جميلة، رسمها الفنان من الرسمة الصغيرة التي خطها.
قال أحد العصافير: «صوصو، إنها ليست حقيقية؛ إنها فقط تبدو كذلك. صوصو، أعتقد أن هذا هو الجمال. هل تستطيعون فهمه؟ أنا لا أستطيع.»
ثم دخل بضعة أشخاص الحجرة فطارت العصافير بعيدا. ومرت الأيام والسنون، و«هدل» الحمام كثيرا، لن نقول تشاجروا، رغم أنهم ربما فعلوا ذلك، تلك المخلوقات المشاكسة! أما العصافير، فقد عانوا من البرد في الشتاء وصفا لهم العيش في الصيف. وارتبط كلهم بخطوبة أو زواج، أو فلتسمه ما شئت. ثم رزقوا بصغار ، وكان كل منهم يرى أبناءه الأذكى والأجمل.
طار كل منهم في اتجاه، وحين التقوا عرف كل منهم الآخر بالزقزقة وجر القدم اليسرى ثلاث مرات للخلف. ظلت كبيرتهم بلا زواج؛ فلم يكن لديها عش ولا صغار. كانت أكبر أمنياتها أن ترى مدينة كبيرة، لذلك طارت إلى كوبنهاجن.
على مقربة من القلعة، عند القناة التي كانت تبحر فيها سفن عدة محملة بالتفاح والأواني الفخارية، لاح منزل كبير. كانت نوافذه قاعدتها أعرض من قمتها، وحين اختلست النظر منها العصفورة رأت حجرة بدت لهم مثل زهرة توليب جميلة الألوان من كل الدرجات. كان يوجد بداخل زهرة التوليب تماثيل بيضاء لبشر، مصنوعة من الرخام، وقليل منها من الجص، لكن لا يمثل هذا أي فرق بالنسبة للعصافير. وكان على السطح عربة حربية وخيول من المعدن، وكانت ربة النصر، التي كانت من المعدن أيضا، جالسة في العربة الحربية توجه الخيول.
كان هذا متحف تورفالسن. قالت العصفورة: «كم يبدو زاهيا ومتألقا! لا بد أن هذا هو الجمال، صوصو، باستثناء أنه أضخم من الطاوس.» فقد تذكرت ما أخبرتهم أمها به في طفولتها، من أن الطاوس أحد أروع الأمثلة التي تجسد الجمال. وطارت العصفورة هبوطا إلى الفناء، حيث كان كل شيء أيضا غاية في الروعة. لقد دهنت الجدران لتبدو مثل فروع النخلة، فيما توسط الفناء شجرة ورد كبيرة وارفة امتدت فروعها النضرة الجميلة المغطاة بالورود فوق قبر. طارت العصفورة إلى هناك إذ رأت عدة طيور من نوعها.
زقزقت العصفورة، وهي تسحب قدمها إلى الوراء ثلاث مرات. كانت طوال السنوات الماضية كثيرا ما تؤدي التحية المعتادة للعصافير التي تقابلها، دون أن يرد لها أحد التحية نفسها؛ فالأصدقاء الذين يفترقون لا يلتقون كل يوم. صار هذا الأسلوب في إلقاء التحية من عاداتها، واليوم رد لها التحية نفسها عصفوران عجوزان وعصفور شاب.
ردوا عليها قائلين: «صوصو»، وسحب كل منهم القدم اليسرى إلى الوراء ثلاث مرات. كانا عصفورين عجوزين نشآ في عشها نفسه، وعصفور شاب من الأسرة. ردت: «أوه، طاب يومكم؛ كيف حالكم؟ كم هو عجيب أن نلتقي هنا! إنه مكان رائع جدا، لكن لا يوجد به الكثير من الطعام؛ لكن هذا هو الجمال. صوصو!»
صفحة غير معروفة