جلست هي وجيردا في العربة وانطلقتا فوق أرومات الأشجار والأحجار، متوغلتين في الغابة. كانت اللصة الصغيرة في حجم نفسه جيردا تقريبا، لكنها كانت أقوى؛ كان منكباها أعرض وبشرتها أدكن؛ وكانت عيناها حالكة السواد، تلوح فيهما نظرة حزينة. وقد أمسكت جيردا الصغيرة من خصرها وقالت لها: «لن يقدموا على قتلك ما دمت لا تضايقينني. أعتقد أنك أميرة.»
قالت جيردا: «لا»؛ ثم قصت عليها حكايتها كلها وكم كانت تحب كاي الصغير.
رمقتها اللصة الصغيرة بنظرة جادة، ثم هزت رأسها قليلا وقالت: «لن يكونوا هم من يقتلونك إن غضبت منك؛ فسأفعل هذا بنفسي.» ثم جففت دموع جيردا ووضعت يديها في الفراء الجميل، الذي كان في غاية النعومة والدفء.
توقفت العربة عند فناء قلعة أحد اللصوص، التي كانت جدرانها مليئة بالشقوق من أسفلها لأعلاها. وكانت الغربان تدخل من الثقوب والشروخ وتخرج منها، فيما كانت تتقافز كلاب ضخمة من فصيلة البولدوج، التي بدا كل واحد منها قادرا على ابتلاع إنسان؛ إلا أنها لم يسمح لها بالنباح.
في القاعة الكبيرة القديمة المعبأة بالدخان أشعلت نار متوقدة على الأرض الحجرية. ولما لم يكن هناك مدخنة فقد تصاعد الدخان إلى السقف ووجد لنفسه مخرجا. وكان الحساء يغلي في مرجل كبير، وأرانب أليفة وبرية تشوى على السيخ.
قالت اللصة الصغيرة بعد أن تناولت هي وجيردا شيئا من الطعام والشراب: «سوف تنامين معي أنا وكل حيواناتي الصغيرة الليلة.» وأخذت جيردا الصغيرة لزاوية في القاعة فرشت ببعض القش والأبسطة. وكان فوقهما على قضبان وعصي أكثر من مائة حمامة بدت كلها نائمة، لكنها تحركت قليلا حين اقتربت منها الفتاتان الصغيرتان. قالت اللصة الصغيرة: «إنها كلها ملكي»، وأمسكت بأقربها إليها، وحملتها من ساقيها، وراحت تهزها حتى خفقت بجناحيها. ثم صاحت وهي تدفعها إلى وجه جيردا: «قبليها.»
ثم استأنفت كلامها وقالت وهي تشير إلى عدد من القضبان المثبتة في الجدران، بالقرب من إحدى الفتحات: «هنا تجلس حمامتا الغابة. ستطير الشقيتان مباشرة إن لم تحبسا جيدا. وها هو حبيبي العجوز «با».» وجرت إليها حيوان رنة مقيد من قرنه كان يوجد حول عنقه حلقة نحاسية لامعة. ثم أضافت: «نضطر إلى ربطه بإحكام شديد وإلا هرب منا هو الآخر. إنني أداعب رقبته كل مساء بسكيني الحادة وهو ما يخيفه خوفا شديدا.» واستلت اللصة سكينا طويلة من صدع في الجدار، ومرت به برفق على رقبة الرنة، فأخذ الحيوان المسكين يرفس، وضحكت اللصة الصغيرة وشدت جيردا لتنزل معها إلى الفراش.
سألتها جيردا وهي تنظر إلى السكين في خوف بالغ: «هل ستحتفظين بتلك السكين أثناء النوم؟»
أجابت اللصة الصغيرة: «دائما ما أنام والسكين بجانبي. لا أحد يعلم ما قد يحدث. لكن احكي لي الآن مرة أخرى كل شيء عن كاي الصغير، ولماذا خرجت تبحثين عنه في العالم الفسيح.»
أعادت جيردا عليها قصتها مرة أخرى، بينما كانت الحمامتان البريتان اللتان في القفص فوقهما تهدلان، والحمام الآخر نائما. بسطت اللصة الصغيرة إحدى ذراعيها على رقبة جيردا، وحملت في الذراع الأخرى السكين، وسرعان ما غطت في سبات عميق مطلقة شخيرا عاليا. لكن لم تستطع جيردا أن تغمض عينيها على الإطلاق؛ فلم تكن تدري ما إذا كانت ستحيا أم ستموت. جلس اللصوص حول النار يغنون ويحتسون الشراب. لقد كان مشهدا فظيعا بالنسبة لفتاة صغيرة مثلها.
صفحة غير معروفة