طارت البجعة إلى غابة هادئة ومنعزلة، واستراحت قليلا في البحيرة العميقة الظليلة حيث تنمو الزنابق، وحيث تجد التفاح البري على الشاطئ، وحيث أعشاش الوقواق والحمام البري.
كانت في الغابة امرأة فقيرة تجمع الحطب، أي ما تساقط من فروع وعصي يابسة. كانت تحمل ما جمعته في حزمة على ظهرها، بينما كانت تحمل بين ذراعيها طفلها الصغير. وقد رأت هي أيضا البجعة الذهبية، طائر الحظ السعيد، وهي ترتفع من بين البوص على الشاطئ. ما ذلك الشيء الذي كان يلمع بشدة؟ بيضة ذهبية لا تزال دافئة تماما. فما كان منها إلا أن وضعتها في صدر ردائها، فظلت دافئة. كان هناك حياة في البيضة بالتأكيد! فقد سمعت صوت نقر رقيقا داخل القشرة، لكنها ظنت أنه صوت قلبها الذي كان يخفق.
عند العودة إلى كوخها الفقير أخرجت البيضة التي كان يصدر عنها صوت تكتكة، كما لو كانت ساعة ذهبية، لكنها لم تكن كذلك؛ فقد كانت بيضة حقيقية حية.
تشققت البيضة وفتحت، وخرج منها برأسه الصغير فرخ بجع صغير لطيف، مغطى بالكامل بريش كأنه ذهب خالص، وكان حول عنقه أربع حلقات، ولما كان لهذه السيدة أربعة أولاد - ثلاثة بالمنزل، وهذا الصغير الذي كان معها في الغابة المنعزلة - فقد أدركت في الحال أنه كان ثمة واحدة لكل صبي. وبمجرد أن أخذتها، انطلق الطائر الذهبي الصغير طائرا.
قبلت السيدة كل حلقة، ثم جعلت كل طفل يقبل الحلقة الخاصة به، ووضعت حلقة قريبا من قلب الطفل لبعض الوقت، ثم وضعتها في إصبعه. لقد رأيت هذا كله، ورأيت ما حدث بعد ذلك.
أخذ أحد الصبية، الذين كانوا يلعبون بالقرب من قناة، كتلة من الطين في يده، ثم أخذ يشكلها حتى اتخذت هيئة تشبه جيسون، الذي ذهب ليبحث عن الصوف الذهبي ووجده.
أما الصبى الثاني فخرج يركض في المرج، حيث نبتت زهور من كل الألوان التي قد ترد على الذهن. فجمع منها ملء كفه واعتصرها بشدة حتى سالت عصارتها في عينيه، وبل بعض منها الحلقة التي في يده. تسرب السائل وتغلغل في دماغه ويديه، وبعد عدة أيام وسنوات أصبح الناس في المدينة الكبرى يتحدثون عنه وقد صار رساما مشهورا.
أما الطفل الثالث فقد وضع الحلقة بإحكام شديد بين أسنانه حتى إنه كان يصدر عنها صوت؛ صدى أغنية في أعماق قلبه. فكانت الأفكار والمشاعر تتصاعد في أصوات عذبة - مثل صدح البجع - وتغوص، مثل البجع أيضا، في بحر عميق جدا. وقد صار موسيقيا عظيما، علما، يحق لكل بلد أن يقول: «إنه ينتسب إلي، فهو ينتسب إلى العالم أجمع».
أما الطفل الرابع الصغير فقد كان بالفعل «الطفل المنبوذ» في العائلة، إذ قيل إنه مريض ولا بد أن يأكل الفلفل والزبد مثل الدجاج المريض، فكان هذا ما يعطى له؛ إلا أنه حصل مني على قبلة دافئة مشمسة. لقد حصل مني على عشر قبلات في حين حصل كل من أشقائه على واحدة. أصبح شاعرا، وظل يلقى الهجوم طوال حياته.
إلا أنه كان لديه ما لم يستطع أي شخص أن يسلبه إياه؛ حلقة الحظ من بجعة السعد الذهبية. وهكذا حلقت أفكاره وطارت عاليا وبعيدا مثل فراشات صداحة؛ لتصير شعارات لحياة خالدة.»
صفحة غير معروفة