قالت فأرة الحقل، التي كانت فأرة عجوزا طيبة حقا: «يا لك من صغيرة مسكينة! تفضلي إلى حجرتي الدافئة وتعشي معي.»
كانت مسرورة بوجود عقلة الإصبع، فقالت لها: «أرحب ببقائك معي طوال الشتاء أشد الترحيب إن أردت؛ لكن يجب أن تحافظي على نظافة منزلي وترتيبه، وتحكي لي قصصا؛ فإنني أحب سماعها للغاية.» وقد فعلت عقلة الإصبع كل ما طلبته منها فأرة الحقل، ووجدت هناك راحة شديدة.
قالت فأرة الحقل ذات يوم: «سوف يأتينا زائر قريبا. إذ يزورني جاري مرة كل أسبوع. إنه أيسر مني حالا؛ فلديه حجرات فسيحة، ويرتدي معطفا مخمليا أسود جميلا. ليتك تحظين به زوجا، فسوف يحسن إعالتك. لكنه كفيف، لذا لا بد أن تحكي له بعضا من قصصك الممتعة.»
لم تشعر عقلة الإصبع بأي اهتمام تجاه هذا الجار، فقد كان خلدا. إلا أنه جاء للزيارة، متشحا بمعطفه المخملي الأسود.
قالت فأرة الحقل: «إنه ثري جدا ومثقف، ومنزله أكبر من منزلي عشرين مرة.»
لا شك أنه كان ثريا ومثقفا، لكنه كان دائما ما يتحدث عن الشمس والزهور الجميلة باستخفاف؛ لأنه لم يرها قط. واضطرت عقلة الإصبع إلى أن تغني له: «فلتطيري لمنزلك أيتها الدعسوقة»، والعديد من الأغنيات الأخرى الجميلة. وقد أغرم بها الخلد لأن صوتها شديد العذوبة؛ لكنه لم يبح بشيء، فقد كان شديد الحذر والحرص. كان الخلد قد حفر منذ زمن قصير ممرا طويلا تحت الأرض، يوصل بين مسكنه ومسكن فأرة الحقل، وقد سمح لها آنذاك بالسير فيه مع عقلة الإصبع متى أرادت. لكنه حذرهما كيلا تنزعجا من رؤية طائر نافق كان مستلقيا في الممر. كان الطائر كامل البنية، بمنقار وريش، ولا يمكن أن يكون قد مات منذ مدة طويلة. كان موجودا حيث حفر الخلد النفق بالضبط . وضع الخلد في فمه قطعة من خشب ذي وميض، وقد أخذت تضيء مثل النار في الظلام، ثم تقدمهما لينير لهما السبيل في الممر الطويل المعتم. وحين بلغوا المكان الذي ارتمى فيه الطائر الميت، دس الخلد أنفه العريض في السقف، حتى ينزاح التراب ويسطع نور النهار على الممر.
كان مطروحا في منتصف الطريق طائر سنونو، ضم جناحاه البديعان إلى جانبيه، وانكمشت قدماه ورأسه تحت ريشه؛ كان جليا أن الطائر المسكين قد مات من البرد. اعترى عقلة الإصبع حزن شديد لرؤية هذا المنظر، فقد كانت تحب الطيور الصغيرة حبا جما؛ فقد ظلت طوال الصيف تشدو وتغرد لها كأجمل ما يكون الشدو والتغريد. إلا أن الخلد أزاحه جانبا برجليه المقوستين وقال: «لن يغني بعد الآن. كم هو مؤسف أن تولد طائرا صغيرا! أشعر بامتنان أن أبنائي لن يكونوا طيورا مطلقا، فهي لا تفعل شيئا سوى الصياح: «صوصو، صوصو»، ولا مفر من أن تموت دوما جوعا في الشتاء.»
قالت فأرة الحقل: «أجل، أنت على حق في قولك هذا كونك رجلا فطنا! فما فائدة تغريدها ما دامت - لا بد - تتضور جوعا أو تتجمد حتى الموت حين يأتي الشتاء؟ مع ذلك تظل الطيور سلالة رفيعة جدا.»
لم تنبس عقلة الإصبع بكلمة، لكن حين أدار الاثنان الآخران ظهرهما للطائر، انحنت وأزاحت الريش الغض الذي غطى رأسه، وقبلت جفنيه المغمضين. وقالت: «ربما هذا كان الطائر الذي شدا لي بصوته العذب في الصيف، وكم داخلني السرور بهذا، يا عزيزي الطائر الجميل!»
سد الخلد الثقب الذي سطع منه ضوء النهار، ثم رافق السيدتين للمنزل. لكن في الليل لم تستطع عقلة الإصبع النوم؛ فغادرت الفراش ونسجت بساطا كبيرا جميلا من القش. ثم حملته إلى الطائر النافق وبسطته عليه، مع بعض زغب من زهور كانت قد وجدتها في حجرة فأرة الحقل. كان ناعما مثل الصوف، وقد نثرت بعضا منه على جانبي الطائر، حتى يرقد في دفء في الأرض الباردة.
صفحة غير معروفة