ابنا العم كانا صبيين مرحين، اسمهما جوستاف وأدولف. كان أبوهما قد أعطى كلا منهما قوسا جديدة، أحضراهما معهما ليرياهما آيدا. أخبرتهما آيدا بأمر الزهور المسكينة التي ماتت وكان لا بد من دفنها في الحديقة. فسار الولدان في المقدمة وقوساهما معلقتان على كتفيهما، وتبعتهما آيدا الصغيرة، حاملة الزهور الميتة في نعشها الجميل. وحفر لها قبر صغير في الحديقة. قبلت آيدا الزهور أولا ثم أنزلتها في الأرض، وأطلق أدولف وجوستاف قوسيهما فوق القبر؛ إذ لم يكن معهما مسدسات أو مدافع.
الجندي الصفيح الصامد
كان هناك ذات يوم خمسة وعشرون جنديا من الصفيح. كانوا أشقاء؛ فقد صنعوا جميعا من نفس الملعقة الصفيح القديمة. وكانوا كلهم يحملون حرابهم على أكتافهم، ويقفون منتصبين، ويشخصون ببصرهم للأمام. كان زيهم أنيقا جدا - أحمر في أزرق - وبديعا للغاية. أول شيء سمعوه، حين أزيح الغطاء عن الصندوق الذي كانوا موضوعين فيه، كان كلمتي: «جنود صفيح!» نطق هاتين الكلمتين صبي صغير، وهو يصفق من الفرح. وكان قد أعطي الجنود؛ لأنه كان يوم عيد ميلاده، والآن، راح يخرجهم ويضعهم على الطاولة.
كان كل منهم مثل الباقين تماما، عدا واحدا كان بساق واحدة. فقد كان آخر من صب فيهم جميعا، ولم يكن هناك صفيح كاف لإتمامه؛ إلا أنه كان يقف على ساقه الواحدة بنفس ثبات الآخرين على ساقين، وكان هو من صار حظه مميزا جدا.
على المائدة التي رتب عليها الجنود الصفيح كان يوجد عدة لعب أخرى، لكن اللعبة التي استحوذت على أكثر الانتباه كانت قلعة ورقية صغيرة جميلة. كان من الممكن رؤية القاعة الرئيسية مباشرة من خلال نوافذها الصغيرة. وكان يقف أمام القلعة أشجار صغيرة، تحيط بمرآة صغيرة يراد بها أن تحاكي بحيرة صافية، يسبح على سطحها بجع من الشمع، وتعكس أشكالها.
كل هذا كان بديعا جدا، لكن أجمل شيء كان السيدة الصغيرة الواقفة على مدخل باب القلعة المفتوح. كانت هي أيضا مصنوعة من الورق، لكنها كانت تلبس رداء من الشاش الأبيض الشفاف وتضع شريطا أزرق رفيعا فوق كتفيها، كوشاح، تتوسطه وردة من الزينة اللامعة. كان ذراعا السيدة ممدودين؛ فقد كانت راقصة، وإحدى ساقيها كانت مرفوعة عاليا جدا حتى إن الجندي لم يرها مطلقا، واعتقد أنها كانت بساق واحدة، مثله.
حدث الجندي نفسه قائلا: «تلك كانت ستصير الزوجة المناسبة تماما لي، لو لم تكن رفيعة الشأن للغاية. لكنها تعيش في قلعة، وأنا أعيش في صندوق، مع خمسة وعشرين آخرين فيه. لن يكون ذلك مكانا مناسبا لسيدة نبيلة. لكن لا بد أن أحاول التعرف عليها.» تصادف وجود علبة نشوق على المنضدة، فاستلقى تماما خلفها، ومن هناك استطاع أن يراقب بسهولة السيدة الصغيرة الرقيقة، التي ظلت واقفة على ساق واحدة دون أن تفقد توازنها.
حين حل المساء وضع كل الجنود الآخرين في صندوقهم، وذهب أهل المنزل للفراش. حينها بدأ دور اللعب في اللهو؛ فتزاورت، وتشاجرت، وأقامت حفلات راقصة. انتفض الجنود الصفيح في الصندوق؛ فقد أرادوا الانضمام إلى الباقين، لكنهم لم يستطيعوا رفع الغطاء. راحت كسارات البندق تتشقلب وقفز القلم الرصاص بطريقة مسلية للغاية. كان الهرج شديدا حتى إن طائر الكناري استيقظ وبدأ يتكلم، ويلقي شعرا أيضا. الوحيدان اللذان لم يبارحا مكانهما كانا الجندي الصفيح والسيدة الراقصة. كانت هي واقفة على أطراف أصابع قدمها بذراعين ممدودتين، وكان هو بنفس الصمود يقف على ساقه الوحيدة دون يحول ناظريه عنها ولو مرة.
دقت الساعة الثانية عشرة، فرفع غطاء علبة النشوق، لكن لم يكن بها نشوق، وإنما عفريت أسود صغير. فلم تكن علبة نشوق حقيقية، ولكن عفريت علبة.
قال العفريت: «فلتغض بصرك أيها الجندي الصفيح. ولا تتطلع إلى ما لا يخصك!»
صفحة غير معروفة