«الحبكة» جديلة الأسباب والنتائج
حزنا عليه
يعد كتاب إي إم فورستر «أركان القصة» من المراجع التي لا غنى عنها لأي قاص أو روائي، وهو متاح باللغة العربية بترجمة «كمال عياد جاد»، وكان من بين إصدارات مكتبة الأسرة (أمهات الكتب) لعام 2001، وهذه هي النسخة التي أعتمد عليها هنا؛ وإذا أتيحت لك قراءته، فسوف تجد بين فصوله إضاءات كاشفة لبعض أهم عناصر اللعبة السردية، ومن بينها مفهوم «الحبكة».
يعرف فورستر هذا المفهوم كالتالي:
دعنا نعرف الحبكة الروائية. لقد عرفنا الحكاية بأنها مجموعة من الحوادث مرتبة ترتيبا زمنيا؛ والحبكة أيضا سلسلة من الحوادث يقع التأكيد فيها على الأسباب؛ فإذا قلنا: «مات الملك، ثم ماتت الملكة بعد ذلك.» فهذه حكاية، أما: «مات الملك، وبعدئذ ماتت الملكة حزنا عليه.» فهذه حبكة. وقد احتفظنا هنا بالترتيب الزمني، ولكن الأسباب والنتائج تفوقه ...
ثم يمضي فورستر نحو مزيد من الإيضاح للفرق بين الحكاية كترتيب زمني للأحداث، وبين الحبكة كعلاقات سببية بين تلك الأحداث ذاتها. وقد نجد تعريفات أخرى لمفهوم الحبكة، قد تبتعد قليلا أو كثيرا عن تعريف فورستر ومثاله الشهير عن الملك والملكة، غير أن القاسم المشترك بين تلك التعريفات والمقاربات سيكون بلا شك هو التأكيد على عنصر السببية، في علاقة الأحداث بعضها ببعض؛ بمعنى أن الحدث (أ) هو ما أدى إلى (ب)، و(ب) أدى إلى (ج)، وهكذا. ليس من الضروري بالمرة أن تمضي تلك الأحداث من نقطة إلى أخرى كمحطات القطار، فهي جديلة ولكنها من عناصر مشتبكة ومتواشجة، يظهر أحدها هنا ويختفي هناك، وهكذا يعود فورستر للتأكيد على عنصر الغموض، ليس كطريقة مباشرة لصنع التشويق والإثارة، بقدر ما يكون استهدافا لذكاء وذاكرة القارئ في طريقة اللعب بأوراق السرد. ولكن لا داعي لاستباق الأمور، ولنبدأ بنظرة سريعة نحو الصيغة التقليدية والمبسطة للحبكة في الرواية.
سلسلة متصلة الحلقات
في صيغتها الأشد تقليدية، يمكن لنا أن نعتبر الحبكة «سلسلة من الأحداث المترابطة، والمتعلقة بشخصية تتوق بشدة إلى تحقيق شيء؛ شيء ليس من السهل بلوغه. وهكذا يجب أن تصل الأحداث إلى محصلة مرضية ...»
إننا هنا أمام عدد من العناصر المتداخلة التي يجب تحليلها بهدوء؛ فهناك ترابط الأحداث بعضها ببعض، بمعنى أن كلا منها يؤدي إلى الآخر في إحكام واضح، ولا تنس أن الحبكة بمعنى «العقدة». إنها سلسلة متصلة الحلقات، وإذا افتقدت إحدى الحكايات الجانبية في روايتك إلى علاقة السبب والنتيجة ببقية الأحداث السابقة واللاحقة؛ فهي ليست حلقة من تلك السلسلة، وصار من الممكن الاستغناء عنها تماما، دون تأثير على «الحبكة». لا داعي للتذكير هنا - أو فيما بعد - بأننا نعرض الصيغة التقليدية لهذا المفهوم.
بتعبير آخر، لا بد لكل حدث من أحداث روايتك - سواء أكان له ثقله الدرامي أم كان عارضا وبسيطا - أن تكون له تداعيات وعواقب بدرجة ما، لا بد أن يكون له أثره على ما سيحدث فيما بعد.
صفحة غير معروفة