من الظالمين سعة وغناء ، فهو متدله (1) إليهم حران ، متأوه عليهم لهفان ، قد شغله ما هو فيه من الحسرة ، عما هو سائر إليه (2) من دار الآخرة ، يروح دائبا ويبكر ، ويقبل أبدا ويدبر، في مواكب الظلم والظلمة ، لا يتكلم في إنكار ظلمهم بكلمة ، يضحك معهم إن ضحكوا ، ويتباكى لهم إن بكوا ، غرق (3) في الغفلة غرقهم ، يرى في كل حين فسقهم.
أفيعد هذا لله وليا؟! أو من الظلم لنفسه بريا ، ما يبريه (4) من ذلك ، أو يعده كذلك ، إلا من جهل أمر ربه ، وضلل الله صميم قلبه ، فما جهل بعد توحيد الله أعظم ، ولا جرم في دين الله أجرم ، من جهل من جهل ما حكم به من هجرة الظالمين ، ونهى عنه جل ثناؤه من مجاورة المعتدين ، لما وكد الله من ذلك في وحي الكتاب ، وما أقام به وفيه وعليه من حجة الألباب ، وما هاجر قوما من حالهم في بلدهم ، وكان مكثرا بشخصه فيها لعددهم ، فيأوي منها وفيها مأواهم ، ويروح ويغتدي مقبلا ومدبرا مغداهم ، فكلهم في بلد العدوان معه ، قد جمعهم من مأوى الطغيان ما جمعه ، يجمعه من أكثر (5) الأمور فيها ما جمعهم ، (6) منتفع بحلول دار الظالمين بما نفعهم ، عامر لها من الحلول فيها بما عمروا ، ومكثر لعدد أهلها بما فيها كما (7) كثروا ، وبحلول من حلها وأوى إليها ، كثرت معاصي الله سبحانه فيها ، فبلد أهل الطغيان لكلهم بلد ، وجميعهم في حلولها وتبوئها (8) فواحد ، وقد ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : (من كثر
صفحة ٢٥٦