الهداية في الأصول والفروع
المقدمة
تأليف
الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي
جميع الحقوق محفوظة لفريق مساحة حرة
[![](../Images/logo4.png)](http://www.masaha.org)
<http://www.masaha.org>
[المقدمة]
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد:
الحمد لله الذي هدانا بهدايته ومن علينا بالإيمان بوحدانيته، وأنعم علينا بخاصته وخالصته، خاتم أنبيائه وسيد بريته محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته وعترته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، لا سيما أولهم أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وآخرهم القائم بالأمر وناشر راية العدل الحجة ابن الحسن العسكري- أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.
أما بعد: لما من علينا البارئ عز اسمه بتأييداته لتحقيق كتاب «المقنع» وما حظي به هذا الكتاب من إقبال واسع من قبل العلماء وفضلاء الحوزة العلمية، وفوزه بالجائزة التقديرية التي منحت للكتب الممتازة في عام 1373 ه. ش من قبل وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، وحيث ان ما اتبعناه من أسلوب خاص في تحقيق «المقنع» كان موضع قبول واشادة من لدن العلماء ومراكز التحقيق، فقد رأينا المبادرة إلى تحقيق صنو «المقنع» أي كتاب «الهداية» بنفس الأسلوب، فخرج الكتاب بالتحقيق المشتمل على تصحيح متنه وتخريجه من المصادر والتعليق عليه في موارده الغامضة لكي يرجع إليه العلماء بكل ثقة ويطمئنوا إلى صحة متنه،
صفحة ٣
ويسهل لهم الرجوع إلى مصادره، رجاء أن يكون هذا الجهد المتواضع خطوة لإحياء تراث السلف الصالح وخدمة للحوزات العلمية، نقدمه بضاعة مزجاة ابتغاء لمرضاة الرب وتقربا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الطاهرين (عليهم السلام).
والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله.
صفحة ٤
[المقدمة]
كلام في شهرة كتاب «الهداية» وانتسابه إلى الشيخ الصدوق (رحمه الله).
ان الشهرة الواسعة لكتاب «الهداية» عبر القرون، واحتلاله موقعا متميزا في الفهارس وكتب الرجال والمراكز العلمية والحوزات الدينية، وتصريح أكابر العلماء بنسبته إلى الشيخ الجليل محمد بن علي بن بابويه الصدوق (رحمه الله)- بدون أدنى شك وريب- كل ذلك يغنينا عن الخوض بشأن نسبة كتاب «الهداية» إلى الشيخ الصدوق (رحمه الله ).
ولكن نظرا إلى ان الكتاب يعد من الثروات العقائدية والفقهية والروائية لدى الشيعة، وان العلماء يتلقون مضمونه ومضمون بعض الكتب الأخرى على انه حديث أو في معنى الحديث، فمن المناسب أن نتناول على نحو الإجمال الأدلة التي بها يقطع بشهرته وانتسابه إلى الصدوق (رحمه الله).
1- في كافة النسخ المخطوطة في مختلف القرون التي وصلت إلينا جاء بعد الحمد والثناء على البارئ تعالى والصلاة على النبي وآله اسم مصنف الكتاب وآبائه كما يلي:
قال الشيخ الجليل أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه الفقيه القمي مصنف هذا الكتاب [الهداية].
صفحة ٥
2- يقول الشيخ الصدوق (رحمه الله) في كتاب «الاعتقادات» في ذيل باب «الاعتقاد في عدد الأنبياء والأوصياء»:
«وقد أخرجت هذا الفصل من كتاب الهداية»، وهو موجود عينا في الهداية من الصفحة 30- 45، ومن الصفحة 22- 25.
يستفاد من كلام الصدوق (رحمه الله) «وقد أخرجت.» أمران مهمان هما:
أ: تقدم تأليفه على الاعتقادات.
ب: أهمية الكتاب لأن المصنف «ره» كان واثقا من مطالب «الهداية» وعباراته فنقل بعضها في الاعتقادات.
3- يقول ابن النديم «المتوفى سنة 385 ه» المعاصر للشيخ الصدوق (رحمه الله) في الصفحة 292 من الفهرست:
«أبو جعفر محمد بن علي وله من الكتب كتاب «الهداية»، ويقول أيضا في الصفحة 291 بعد ذكره لاسم ابن بابويه- والد الصدوق-: «قرأت بخط ابنه أبي جعفر محمد بن علي على ظهر جزء: قد أجزت لفلان بن فلان كتب أبي علي بن الحسين، وهي مائتا كتاب، وكتبي وهي ثمانية عشر كتابا».
ويستفاد من كلام ابن النديم أمران:
أ: تصريحه بنسبة كتاب «الهداية» إلى محمد بن علي بن بابويه «الصدوق» (رحمه الله).
ب: ما حظي به «الهداية» من شهرة، وانه لم يذكر من كتب الشيخ الصدوق (رحمه الله) إلا الهداية.
4- يقول النجاشي «المتوفى سنة 450 ه»- وهو رجالي مشهور- في الصفحة
صفحة ٦
389 الرقم 1049 من رجاله، بعد ذكره لاسم الصدوق (رحمه الله) وكنيته: «وله كتب كثيرة»، ثم يذكر ما يقارب من مائتي كتاب من مؤلفات الشيخ الصدوق (رحمه الله) حيث يأتي «الهداية» في التسلسل الخامس والتسعين منها.
وبهذا يصرح النجاشي بانتساب «الهداية» إلى الشيخ الصدوق (رحمه الله).
5- يقول العلامة الحلي (رحمه الله) «المتوفى 726 ه» في المختلف- طبع جماعة المدرسين- 3- 174 السطر 6 ما يلي:
«قال علي بن بابويه في رسالته. وهو قول ابنه محمد في كتاب «الهداية» ويقول في الصفحة 281 السطر 12: «قال علي بن بابويه في رسالته وولده في مقنعه وهدايته.»، وفي الصفحة 295 السطر 11 «. ذكره علي بن بابويه في رسالته، وابنه محمد في مقنعه وهدايته.».
فالعلامة الحلي (رحمه الله) صرح بانتساب الهداية إلى الشيخ الصدوق مع نقله عنه مسائل.
6- يقول المولى محمد تقي المجلسي «المتوفى 1070 ه» في روضة المتقين:
14- 15:
«فإن محمدا صنف نحوا من ثلاثمائة كتاب وانتشر أخبار أهل البيت (عليهم السلام) به ولم يبق من كتبه ظاهرا عندنا إلا كتاب إكمال الدين و. وكتاب الهداية في الفقه.».
وهذا تصريح منه بأن الهداية من مصنفات الصدوق (رحمه الله).
7- يقول العلامة المجلسي (رحمه الله) «المتوفى 1110 ه» في بحار الأنوار 1- 6:
«الفصل الأول في بيان الأصول والكتب المأخوذ منها وهي كتاب عيون أخبار الرضا (عليه السلام) وكتاب علل الشرائع والأحكام. وكتاب الهداية. وكتاب المقنع،
صفحة ٧
كلها للشيخ الصدوق أبي جعفر محمد بن علي (رحمه الله).».
فإن المجلسي (رحمه الله) صرح بقوله: «كلها للشيخ الصدوق» بانتساب كتاب الهداية وسائر الكتب التي ذكرها إلى الشيخ الصدوق (رحمه الله).
ويقول في الصفحة 26 من نفس الكتاب- الفصل الثاني-: «اعلم ان أكثر الكتب التي اعتمدنا عليها في النقل مشهورة معلومة الانتساب إلى مؤلفيها ككتب الصدوق (رحمه الله).
ثم يقسم كتب الصدوق (رحمه الله) من حيث الشهرة إلى قسمين:
يرى ان بعضها كالعيون والعلل والمقنع. لا تقل شهرة عن الكتب الأربعة، فيقول:
«لا تقصر في الاشتهار عن الكتب الأربعة التي عليها المدار في هذه الأعصار.»، وبعضها الأخرى مشهورة إلا انها لا تداني الكتب الأربعة، منها الهداية فيقول: «كتاب الهداية أيضا مشهور لكن ليس بهذه المثابة».
وعليه فان انتساب كتاب «الهداية» إلى الشيخ الصدوق (رحمه الله) مسلم به لدى المجلسي (رحمه الله)، ويعد من مشاهير كتبه وان كان لبعض كتبه الأخرى حظا أوفر من الشهرة كالفقيه، والمقنع.
8- مما تقدم يتضح اهتمام العلماء بكتاب «الهداية» ولذا فقد أكثروا النقل عنه في كتبهم كالبحار، وكشف اللثام، والحدائق، والرياض، ومستند الشيعة، والجواهر وكتب الشيخ الأنصاري (رحمه الله).
9- هنالك علماء آخرون ذكروا كتاب «الهداية» وصرحوا بانتسابه إلى الشيخ الصدوق (رحمه الله) نشير إلى ذلك باختصار
صفحة ٨
- السيد محمد بن علي الموسوي العاملي «المتوفى سنة 1009 ه» في مدارك الأحكام: 5- 332: «فقال علي بن بابويه في رسالته وولده في مقنعه وهدايته».
- العلامة القهبائي «كان حيا في سنة 1021 ه» في مجمع الرجال: 5- 271 «. كتاب الهداية».
- الميرزا محمد بن علي الأسترآبادي «المتوفى سنة 1028 ه» في منهج المقال المشهور برجال الأسترآبادي ص 307 «كتاب الهداية».
- المولى محمد باقر السبزواري «المتوفى سنة 1090 ه» في ذخيرة المعاد:
434 «الطبع الحجري» السطر 11- 12: (حكي عن الشيخ علي بن بابويه.
وهو قول ابنه محمد في كتاب «الهداية»، وفي الصفحة 470 السطر 10، والصفحة 578 السطر 42 يذكر اسم كتاب «الهداية» بنحو يتضح من خلاله انتسابه إلى الشيخ الصدوق (رحمه الله).
- السيد هاشم البحراني «المتوفى سنة 1107 ه» في مدينة المعاجز: 4:
«وكتاب الهداية» للشيخ الصدوق (رحمه الله).
- عبد الله الأفندي «المتوفى حدود سنة 1130 ه» في تعليقة أمل الآمل:
280: «ومن كتبه التي وصلت إلينا الهداية في الفقه مختصر»، وفي رياض العلماء:
5- 121 عن بعض تلامذة البهائي أو تلامذة تلامذته: «ومن كتبه التي وصلت إلينا كتاب الهداية في الفقه مختصر».
- الشيخ يوسف البحراني «المتوفى سنة 1186 ه» في لؤلؤة البحرين: 378.
- الميرزا محمد التنكابني «المتوفى سنة 1302 ه» في قصص العلماء: 389.
- الميرزا محمد باقر الموسوي «المتوفى 1313 ه» في روضات الجنات:
6- 127: «كتابه [الصدوق (رحمه الله)] الموسوم بالهداية في الأصول والفقه على سبيل
صفحة ٩
الاختصار والجمود على الفتوى وشاعت نسبته إليه في كتب الاستدلال».
- إسماعيل باشا البغدادي «المتوفى سنة 1339 ه» في إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون: 4- 350: «كتاب الهداية لابن بابويه القمي»، وفي هدية العارفين. من كشف الظنون: 6- 52، وص 53 «ابن بابويه القمي- محمد بن أحمد (1) بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه أبو جعفر القمي الشيعي.
له من التصانيف . كتاب الهداية».
- حبيب الله الشريف الكاشاني «المتوفى سنة 1340 ه» في لباب الألقاب:
4: «كتاب الهداية في الفقه،. ورمز الصدوق في الكتب (ق) وللعلل (ع) ولمن لا يحضره الفقيه (يه). وللهداية (هد). وللمقنع (نع).».
- خان بابا مشار في «مؤلفين كتب چابي- أي المطبوعة-: 5- 617 (14) الهداية- عربي طهران 1276 [ه] ق. حجري- طهران 1377 [ه] ق. وزيري- إسلامية 197- 87- 31. ص إيران، 1274 [ه] ق. حجري، وزيري 138 ص.
- يوسف اليان سركيس «المتوفى سنة 1351 ه» في معجم المطبوعات العربية والمعربة: 1- 43- 44: «له نحو من ثلاثمائة مصنف. (4)- الهداية طبع مع الجوامع الفقهية».
- السيد محسن الأمين «المتوفى سنة 1371 ه» في أعيان الشيعة: 10- 25 «ومؤلفاته [الصدوق] هي:. (183) الهداية في الأصول والفقه مطبوع.».
- محمد علي المدرس التبريزي «المتوفى سنة 1373 ه» في ريحانة الأدب:
3- 439 الرقم 66: «الهداية وغيرها».
صفحة ١٠
- عبد العزيز الجواهري: في دائرة المعارف الإسلامية: 1- 125 (4):
«كتاب الهداية في الأصول والفروع نقل عنه المجلسي في البحار ونسخته الخطية الناقصة عند السيد حسن الصدر في الكاظمية».
- الزركلي في الإعلام: 6- 274: «ابن بابويه القمي (306- 381 ه918- 991 م). له نحو ثلاثمائة مصنف منها المقنع والهداية».
- آقا بزرگ الطهراني «المتوفى سنة 1389 ه» في الذريعة: 25- 174 الرقم 115 «الهداية بالخير في الأصول والفروع للصدوق أبي جعفر محمد بن علي.
ومرتب على أبواب ابتدأ فيه بالأصول».
- العلامة الخوئي (رحمه الله) «المتوفى سنة 1413 ه» في معجم رجال الحديث:
16- 317 ضمن الرقم 11292 «وله كتب كثيرة منها.، كتاب الهداية».
صفحة ١١
اسم الكتاب
الكتاب اسمه «الهداية» (1) من دون إضافة لأن المصنف ذكره في «الاعتقادات» بعنوان الهداية، وكذا ابن النديم في فهرسته (2) والنجاشي في رجاله (3)، وكذا العلماء من أمثال المجلسيين وغيرهما (4) كما ان عنوان كل النسخ المخطوطة الموجودة عندنا من نفس الكتاب هو «الهداية».
ومن هنا يمكن القول بأن كلمة «بالخير» الملحقة باسم الكتاب في الذريعة 25- 174، الرقم 115، أو كلمة «المتعلمين» الواردة في النسخة الموجودة في مكتبة مدرسة البروجردي على ما في الذريعة ليستا من اسم الكتاب.
ومشخصات الكتاب التي ذكرها العلامة الطهراني (رحمه الله) تتطابق كليا مع كافة النسخ المخطوطة المتوفرة لدينا التي قمنا بتصحيح الكتاب على ضوئها.
صفحة ١٢
أهمية الكتاب
لقد استحوذ كتاب الهداية- كما مر ذكره في «كلام في شهرة الهداية و.» (1)
- على اهتمام الفقهاء على مدى القرون المنصرمة، وعد من المصادر الفقهية والروائية المعتبرة، كما ان أعلامنا قد تلقوا ما ورد فيه وفي بعض الكتب الأخرى على أنه حديث كالذي ذهب إليه صاحب مستدرك الوسائل في ترقيمه لمضامين الكتاب على نحو الأحاديث.
ولكي نثبت ان ما في الكتاب كله رواية فقد ذكرنا في الهامش- خلال تحقيقنا لمتن الكتاب- لكل عبارة أوردها المصنف ما يرادفها من أحاديث المعصومين (عليهم السلام)، ثم أردفنا بكلمة: مثله، نحوه، وإلخ.
وسيأتيك الكلام عن ذلك بالتفصيل في ذيل عنوان «عبارات القدماء في كتبهم الفقهية بمنزلة الحديث» (2).
والميزة الأخرى لكتاب الهداية هي اشتماله على بحوث عقائدية موجزة في بدايته بالإضافة إلى ما تضمنه من دورة مختصرة في الفقه.
صفحة ١٣
عبارات القدماء في كتبهم الفقهية بمنزلة الحديث
لقد كان مجتهدوا الشيعة وفقهاؤهم على عهد الأئمة المعصومين (عليهم السلام) ومرحلة الغيبة الصغرى وحتى بدايات الغيبة الكبرى يتبعون في تدوين كتبهم الفقهية أسلوبا لم يتجاوزوا فيه ما ورد من ألفاظ الروايات، وكانوا يبينون آراءهم الفقهية بما هو مأثور من الأحاديث، كما قال الصدوق (رحمه الله) في مقدمة المقنع:
«إني صنفت كتابي هذا، وسميته كتاب المقنع لقنوع من يقرؤه بما فيه، وحذفت الأسانيد منه لئلا يثقل حمله ولا يصعب حفظه ولا يمل قارئه، إذ كان ما أبينه فيه في الكتب الأصولية موجودا مبينا عن المشايخ العلماء الفقهاء الثقات رحمهم الله» [1].
صفحة ١٤
وقال الشيخ الطوسي في مقدمة المبسوط:
«لأنهم- أصحاب فقه الإمامية- ألقوا الأخبار وما رووه منص ريح الألفاظ حتى ان مسألة لو غير لفظها وعبر عن معناها بغير اللفظ المعتاد لهم لعجبوا [تعجبوا خ ل] منها وقصر فهمهم عنها، وكنت عملت على قديم الوقت كتاب النهاية، وذكرت جميع ما رواه أصحابنا في مصنفاتهم وأصولها من المسائل وفرقوه في كتبهم، ورتبته ترتيب الفقه، وجمعت من النظائر. وأوردت جميع ذلك أو أكثره بالألفاظ المنقولة حتى لا يستوحشوا من ذلك.» (1).
من الواضح لدى أهل العلم والفضيلة ان الشيخ الطوسي (رحمه الله) كان على اطلاع تام بكتب عصره والنمط الذي كتبت به، وهو ليس من المبالغين ولا من أهل التفريط والإفراط، لذا حسبنا كلام الشيخ هنا لتأكيد ما قلناه من ان متون كتب الفقهاء في الفترة التي قاربت عصر الأئمة المعصومين (عليهم السلام) كانت عبارة عن أخبار مأثورة، بيد اننا نأتي بما قاله بعض العلماء للمزيد من الاسناد لما ذهبنا إليه.
قال الشهيد في الذكرى:
«وقد كان الأصحاب يتمسكون بما يجدونه في شرائع الشيخ أبي الحسن بن بابويه (رحمه الله) عند إعواز النصوص، لحسن ظنهم به، وان فتواه كروايته، وبالجملة تنزل فتاويهم منزلة روايتهم.» (2).
واستشهد بهذا الكلام المحقق الداماد (3).
صفحة ١٥
وقال المجلسي (رحمه الله):
«ينزل أكثر أصحابنا كلامه- الصدوق- وكلام أبيه (رضي الله عنه)ما منزلة النص المنقول والخبر المأثور» (1).
وقال صاحب الجواهر:
«. بل فيهم من لا يفتي إلا بمضامين الأخبار كالصدوق في الفقيه والهداية، بل حكى عن والده أيضا ذلك الذي قيل أنهم كانوا إذا اعوزتهم النصوص رجعوا إلى فتاواه.» (2).
وقال في موضع آخر:
«. وما هو كمتون الأخبار كالنهاية والفقيه والهداية،.» (3).
وقال أيضا:
«. من ظاهر الهداية والمقنع، سيما مع غلبة تعبيره بهما بمتون الأخبار.» (4).
وقال الشيخ الأنصاري (رحمه الله):
«. كما عمل بفتاوي علي بن بابويه لتنزيل فتواه منزلة روايته.» (5) وقال أيضا: «. ومنها ما ذكره الشهيد في الذكرى، والمفيد الثاني ولد شيخنا الطوسي، من أن الأصحاب قد عملوا بشرائع الشيخ أبي الحسن علي بن بابويه عند إعواز النصوص تنزيلا لفتاواه منزلة رواياته.» (6). وقال أيضا: «. ومن هذا القبيل ما
صفحة ١٦
حكاه غير واحد من ان القدماء كانوا يعملون برسالة الشيخ أبي الحسن علي بن بابويه عند إعواز النصوص» (1).
وقال المحدث النوري:
«والحق ان ما فيه- المقنع- عين متون الأخبار الصحيحة بالمعنى الأخص الذي عليه المتأخرون» (2).
وصرح أيضا باشتهار ان فتاوي القدماء في كتبهم متون الأخبار وبأنه هو الحق (3).
ومن جملة العلماء المتأخرين آية الله العظمى البروجردي (قدس سره) الذي كان يهتم بهذا الأمر اهتماما بالغا.
وفي هذا المقطع نشير إلى بعض ما قاله هذا الفقيه الجليل بما يدل على عمق اهتمامه بهذه الكتب أو ما أسماه (قدس سره) «الأصول المتلقاة»:
قال (رحمه الله): «ان المتقدمين كانوا لا يفتون إلا بما صدر من الأئمة (عليهم السلام)» (4).
وقال (رحمه الله) في موضع آخر:
«ان القدماء من أصحابنا كانوا لا يذكرون في كتبهم الفقهية إلا أصول المسائل المأثورة عن الأئمة (عليهم السلام) والمتلقاة منهم يدا بيد، من دون أن يتصرفوا فيها أو يذكروا التفريعات المستحدثة، بل كم تجد مسألة واحدة تذكر في كتبهم بلفظ واحد مأخوذ من متون الروايات والأخبار المأثورة، بحيث يتخيل الناظر في تلك الكتب انهم ليسوا أهل اجتهاد واستنباط بل كان الأواخر منهم يقلدون
صفحة ١٧
الأوائل ولم يكن ذلك منهم إلا لشدة العناية بذكر خصوص ما صدر عنهم (عليهم السلام) ووصل إليهم بنقل الشيوخ والأساتذة، فراجع كتب الصدوق كالهداية والمقنع والفقيه ومقنعة المفيد ورسائل علم الهدى ونهاية الشيخ ومراسم سلار والكافي لأبي الصلاح ومهذب ابن البراج وأمثال ذلك تجد صدق ما ذكرنا» (1).
وقال (قدس سره) في موضع آخر:
«. ان المسائل الفقهية- كما يظهر لمن تتبع وتأمل تأملا تاما دقيقا- على أقسام ثلاثة:
الأول: الأصول المتلقاة عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) بحيث عبر فيها بعين ما نقل عنهم (عليهم السلام) بلا زيادة ونقصان.
الثاني: المسائل التوضيحية، بمعنى ان ما صدر عنهم (عليهم السلام) كان مجملا، فيحتاج إلى توضيح معناه وبيان موضوعه.
الثالث: المسائل التفريعية، بمعنى ان المستنبط- بعد بيان موضوعه- يفرع على ما صدر عنهم (عليهم السلام) أمورا وفروعا مستفادة من كلامهم (عليهم السلام).
ولا يبعد أن يكون القسم الأول حجة، لعدم دخالة الاجتهاد فيها أصلا لا توضيحا ولا تفريعا كما في القسمين الأخيرين كذلك، ولا أقل من عدم الجرأة على مخالفته.» (2).
وقد سمى آية الله البروجردي هذه الكتب ب«الأصول المتلقاة» (3) أو
صفحة ١٨
«المسائل المتلقاة»، وسماها بعض الأجلة ب«الفقه المنصوص» [1].
صفحة ١٩
الآثار المترتبة على القول بأن فتاوي القدماء عين متون الأخبار أو بمعناها
تترتب على ما بينا- من أن عبارات القدماء وفتاويهم خبر أو في معنى الخبر- نتائج فقهية وأصولية نذكر بعضها:
1- ان اشتهار الفتوى بين القدماء يدل على ضعف ما يعارضه من روايات.
ان أجمع القدماء من الفقهاء ومصنفي «الأصول المتلقاة» على فتوى ما وكان في الكتب الجامعة كالكافي رواية صحيحة تعارضها فان الفقيه يلتفت إلى نكتة وهي ان أصحاب الفتيا والمشايخ الذين قارب عصرهم عصر الأئمة المعصومين (عليهم السلام) لم يستندوا في فتواهم إلى تلك الرواية، بل أعرضوا عنها، وأعراض العلماء عنها يكشف عن ضعفها، يقول آية الله العظمى البروجردي في هذا المضمار:
«والحاصل أنه لا يقال للرواية- بمجردها من دون كون مضمونها مفتى به-: انها مما لا ريب فيها، بل عدم الفتوى موجب لكونها ذات ريب، ومن هنا اشتهر ان الرواية كلما ازدادت صحة ازدادت ضعفا وريبا إذا أعرض عنها الأصحاب وكلما ازدادت ضعفا ازدادت قوة إذا عمل بها الأصحاب. كالروايات الكثيرة المعرض عنها التي تبلغ عشرين رواية- في مسألة عدم تنصيف المهر، إذا مات أحد الزوجين- والتي تدل على عدمه إلا رواية واحدة ومع ذلك تكون الثانية
صفحة ٢٠
مفتى بها عند الأصحاب» (1).
وقال أيضا: «وقد عرفت منا مرارا ان الشهرة الفتوائية كانت بمرتبة من الأهمية عند الشيعة بحيث كانوا يطرحون لأجلها الأخبار المخالفة لها ويحملونها على التقية أو على محامل أخر، ووجه ذلك ان اشتهار الفتوى بين أصحاب الأئمة وبطانتهم المطلعين على مذاقهم (عليهم السلام) مما يكشف كشفا قطعيا عن مرادهم الجدي» (2).
وفي فوائد الأصول عن آية الله النائيني (رحمه الله): «وهذه الشهرة الفتوائية.
تكون كاسرة لصحة الرواية إذا كانت الشهرة من القدماء» (3).
2- ان اشتهار الفتوى في خصوص مسألة لا نص فيها دليل على النص وان المسألة ليست مورد البراءة، جاء في تقرير بحث آية الله العظمى البروجردي:
«نكتة أصولية فيها فائدة فقهية: هي انك ترى المحقق- عليه الرحمة- مع تبحره في العلم ونشوية في مركز الحوزة العلمية في عصره- وهي الحلة- وكونه رئيسا في زمانه وعنده العلماء الأعلام وتمكنه من الكتب الحديثية والفقهية، قد اعترف بعدم النص- في مسألة عدم جواز الصلاة في الشمشك والنعل السندي- ومع ذلك قد أفتى بما قاله الشيخان واستكشف النص من فتويهما. وهذا أيضا مؤيد لما نبهنا عليه كرارا من ان مجرد عدم وجود النص في الكتب الأربعة أو غيرها من الجوامع التي بأيدينا، لا يكون دليلا على العدم أو موردا للبراءة إذا كان قد
صفحة ٢١
أفتى جملة من المشايخ المتقدمة في المسائل التعبدية وضبطوها في الكتب الفتوائية فتنبه واغتنم» (1).
3- إن اشتهار عمل القدماء بالرواية والاستناد إليها في مقام الفتوى جابر لضعف الرواية.
تقدم عن آية الله البروجردي (رحمه الله) أن الرواية كلما ازدادت ضعفا ازدادت قوة إذا عمل بها الأصحاب [1].
4- اتفاق القدماء في مسألة، إجماع معتبر (2).
فإن أفتى جميع القدماء في مسألة وكانت في كتبهم- الأصول المتلقاة- فإنها تفيد الإجماع وكاشفة عن قول المعصوم (عليه السلام) [2].
صفحة ٢٢