(2) انظر : إغاثة اللهفان ، ابن القيم ، ج1 ص 153 . 8- وجاء في صفة الصفوة أن عمر بعث عميرا عاملا على حمص فمكث حولا لا يأتيه خبره ولم يبعث له شيئا لبيت مال المسلمين ، فقال عمر لكاتبه: اكتب إلى عمير فوالله ما أراه إلا قد خاننا إذا جاءك كتابي هذا فأقبل وأقبل بما جبيت من فيء المسلمين حين تنظر في كتابي هذا . فأخذ عمير - لما وصله كتاب عمر - جرابه فوضع فيه زاده وقصعته وعلق إداوته وأخذ عنزته ثم أقبل يمشي من حمص حتى قدم المدينة فقدم وقد شحب لونه واغبر وجهه فدخل على عمر فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله قال عمر : ما شأنك ؟ قال : ما تراني صحيح البدن ظاهر الدم ، معي الدنيا أجرها بقرونها ؟ قال عمر : وما معك ؟ وظن عمر أنه جاءه بمال . قال : معي جرابي أجعل فيه زادي ، وقصعتي آكل فيها وأغسل فيها رأسي وثيابي وإداوتي أحمل فيها وضوئي وشرابي ، ومعي عنزتي أتوكأ عليها وأجاهد بها عدوا إن عرض لي ، فوالله ما الدنيا إلا تبع لمتاعي . وسأله عمر عن سيرته في قومه وعن الفيء فأخبره ، فحمد فعله فيهم ثم قال :جددوا لعمير عهدا . قال عمير : إن ذلك شيء لا أعمله لك ولا لأحد بعدك ، والله ما سلمت بل لم أسلم ، لقد قلت لنصراني : أخزاك الله ، فهذا ما عرضتني له يا عمر ، وإن أشقى أيامي يوم خلفت معك . (1) لقد عظم على عمير قوله لرجل من غير المسلمين : أخزاك الله ، وهو دعاء ، وما ذكر خطأ اقترفه في ولايته على حمص أعظم من هذا ، وفي ذلك دليل على أن هذا الدين ما جاء إلا بالرحمة والهداية وإنقاذ البشر من الضلال إلى الهدى ومن ظلمات الكفر إلى نور الطاعة ، ولا عجب فمن مدرسة النبوة تخرج هذا الصحابي وغيره ، ممن لا يؤذون الناس بل يغمرونهم بعطفهم ورحمتهم وسماحتهم وإحسانهم ، ولذا قال عنه عمر : إنه نسيج وحده ، وقال : وددت أن لي رجلا مثل عمير بن سعد استعين به على أعمال المسلمين (2) .
إن الدعاء لغير المسلمين وفق ضوابط الشرع من أعظم صور التسامح في الإسلام ومن محاسنه الكبرى التي تنظر إلى الإنسان نظرة تكريم وعناية ، وفي الدعاء استمالة ظاهرة لقلب المدعو فكل أحد يتمنى من الناس الدعاء له بالخير ، ومن هنا قال ابن عباس رضى الله عنه لو قال لي فرعون : بارك الله فيك قلت : وفيك ، وفرعون قد مات (3) .
_________
(1) صفة الصفوة ، ابن الجوزي ، دار الكتب العلمية بيروت ، ط 1 1409 ه ، ج 1 ص 354 .
(2) المرجع السابق ، ج 1 ص 356 .
صفحة ٣٠