عن قول: إي والله غد
فأعد أياما تمر
وقد ضجرت من العدد
وقد سمعنا أبا فراس يناجي ليلاه، بعد ما أعياه الصبر، قائلا:
معللتي بالوصل والموت دونه
إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر
نعم أيها الشعراء قد أصبتم، ولكن قل من يعير أقوالكم آذانا صاغية، بل قل من يسمع لواجب الوفاء نداءه، وللموعود أنينا يتصاعد من وراء جدران الحسرات الغليظة. لقد أصبح قومنا يتركون من يعدونه مطروحا على حضيض الاصطبار متقلبا على شوك الانتظار، يقاسي مضض الوعد ويتنازعه عاملا اليأس والرجاء. فما أحراكم أيها الرجال لو دققتم في وعودكم ووضعتم لها حدا! ألا تعلمون أن العار عليكم إذا سوفتم وما وفيتم، وليس إذا قلتم: صنعنا ما قدرنا عليه ولم نقدر. فيعود الرجل شاكرا ملتجئا إلى سواكم ويتدبر أمره، والله لا يترك أحدا.
وما أحرى ذلك الرجل الذي يملأ الدنيا وعودا عرقوبية أن يصنع ما يريد صنعه من دون أن يمني الناس بوعوده التي أرادها دليلا على مروءته فإذا بها تنقلب شهودا على انحطاطه إذ يخلف وعده!
فكم من الذين عادوا أصحابهم لأجل كلمة نعم التي كانت تنوب عنها كلمة لا، ولكنهم قصدوا بها توثيق عرى الصداقة والمحبة فخاب ظنهم! لا شك في أنها توطد أركان الألفة إذا وفى الواعد ولكنه إذا أخلف فلا يرى غير صدور تنقد فيها نار البغض والحقد عليه، وقد قال المثل: وعد بلا وفاء عداوة بلا سبب. وما أجمل الكريم الذي إذا قال فعل!
ومن يحاول صنع جميل مع رجل فلا يليق به أن يحمله من أثقال الصبر جبالا، بل عليه أن يقضي له حاجته فورا، أو يضرب أجلا يفي به بوعده، ولا يعلله بكلمة رح وتعال، ويظل يمنيه هكذا حتى يوم القيامة.
صفحة غير معروفة